[email protected]
تُمثّل الهيئات والجمعيات المهنية بتنظيماتها وأشكالها المختلفة، جزءًا أصيلًا من مكوّنات القطاع غير الربحيّ، حيث تقوم بمهام وأدوار كبيرة، بفضل تنوّع مسؤولياتها ما بين جمع أبناء وبنات المهنة الواحدة فيما بينهم للتواصل والتعاون بهدف تطوير المهنة وتنمية المهارات وتقديم الخدمات وتقييم الأداء وترقيته وإرساء قيم ومعايير ممارسة المهنة وضوابطها وأخلاقياتها وفتح قنوات التعاون وخدمة المجتمع من خلال استثمار كفاءات وخبرات أعضائها في تنمية مختلف المجالات التي تخدم المجتمع وترسّخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية وتُسهم في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
وبين هذه الهيئات والجمعيات المهنية، تبرز في الفترة الأخيرة، ظاهرة «توالد» الجمعيات واللجان والروابط الإعلامية وانتشارها بين مناطق ومحافظات ومدن المملكة، مُعلنة فتح الأبواب على مصراعيها، لنيل عضويتها لكل من هبّ ودبّ، وهو أمر يضرّ بالمهنة وسمعتها، ويقوّض مسيرتها، وجهود قادتها من الحادبين المتخصصين والممارسين المهنيين، ويعيق عملية تطورها، ويُسهم في تثبيط قيم المهنيّة والصدق والموضوعية والنزاهة، وهو مما يعيث الفوضى في الوسط الإعلامي وبيئته، ويؤخّر من عملية التنمية المستدامة في مفهومها الشامل.
ولأن الإعلام أحد المقومات المُهمة للتنمية المستدامة، ويفترض فيه أن يكون إعلامًا مهنيًا واقعيًا متزنًا، يهدف إلى تحقيق غايات اجتماعية تنموية، سيكون من المُهم إعادة تعريف وتوصيف مصطلح (الإعلامي) الذي فقد الكثير من معناه الحقيقي في عصر الإعلام الرقمي، لأنه أصبح مصطلحًا فضفاضًا وصفة هُلاميّة، تستوعب كل شخص يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي لينقل خبرًا سريعًا، أو يعرض منتجًا رخيصًا، أو يعلق على حادثة ما ليسمي نفسه إعلاميًا، لذلك ينبغي ضبط هذه الظاهرة ووقف زحف هؤلاء «الدخلاء» الذين يسمّون أنفسهم (إعلاميين)، دونما مهنيّة أو مؤهلات أو خبرات أو حتى مهارات يمكن قياسها ويُعتد بها.
وفيما تكتسب هذه الجمعيات المهنية الإعلامية أهمية كبيرة، لدورها الحقيقي في تطوير المهنة ورفع مستوى الأداء، ومحاصرة الدخلاء عليها، ووضع ضوابط مهنية وأخلاقية للمهنة، وكذلك التأكد من مصداقية المؤهلات والخبرات المهنية، ومواجهة تحديات المهنة وهمومها، وتوعية أعضائها ومنسوبيها، بالإضافة إلى ما توفره لأعضائها من ملاذ آمن لطلب المساعدة وتقديم الدعم القانوني، فإنه ينبغي ألا يقتصر دورها على إصدار بطاقات العضوية وتحصيل الاشتراكات، وتغليب العمل الفردي على المهنيّ المؤسساتي، ومن ثم ترك الحبل على الغارب.
إن الجمعيات المهنية الإعلامية التي نريدها ونتطلع إليها، ينبغي أن تدرك نبض المهنة ومتاعبها، وتعرف رسالة وقضايا قطاعها، وتشعر بعضويتها أكثر من غيرها، وأن تعمل دون كلل أو ملل على تطوير الأداء المِهني، وتنمية المهارات، وترسيخ الالتزام بمعايير وأخلاقيات المهنة، وتأسيس خطوط اتصال فعّالة مع الوزارات والهيئات الحكومية والمجتمع، وكبح جماح الدخلاء على المهنة وتنقيتها منهم، بما يحقق هدف الإعلام ورسالته في إحداث أثر إيجابي مستدام، يخدم مجتمعنا ويُسهم في تقدم ورقي بلادنا الغالية.