يرى حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن التعامل مع حرب روسيا في أوكرانيا هو أشبه بالسير على شفرة حلاقة كل يوم.
من ناحية، يريد أقوى تحالف عسكري في العالم، المساهمة بفعالية في إفشال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في غزوه، بينما يحرص من ناحية أخرى على تجنب مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا؛ خوفا من اندلاع حرب عالمية جديدة. فهل سيتمكن الحلف من تحقيق كلا الهدفين؟.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) شرح الأمين العام لـ "ناتو"، ينس ستولتنبرج سبب اعتقاده، بأن الدعم العسكري لأوكرانيا هو أسرع وسيلة لتحقيق السلام، ويتذكر كيف عاش اليوم الذي غير الكثير في أوروبا.
وعن تلك الليلة التي اندلعت فيها الحرب في 24 فبراير 2022، قال ستولتنبرج: "لقد كانت ليلة قصيرة للغاية. عندما ذهبت إلى الفراش، علمت أنهم سيغزون البلاد، لذلك اعتقدت أنه سيكون من الجيد الحصول على بضع ساعات من النوم. لكن لم تمض ساعات طويلة قبل أن يتصل بي مدير مكتبي ليبلغني بأن الغزو قد بدأ".
حرب العدوانية غير مسؤولة
وعن رد فعله الأولي إزاء اندلاع الحرب، قال ستولتنبرج: "لقد شجبت على الفور هذه الحرب العدوانية غير المسؤولة، واستدعيت مجلس شمال الأطلسي للانعقاد.
ويضيف: فعلنا الخطط الدفاعية لحلف "ناتو"، وبدأنا في إرسال قوات إضافية إلى الجزء الشرقي من الحلف لمنع تصعيد الحرب. كل شخص هنا في المقر الرئيسي، يعرف بالضبط ما يجب القيام به -لأننا كنا مستعدين جيدا، حيث كان الأمر يتعلق بغزو متوقع منذ فترة طويلة.
لقد حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن منه وأنا وكثيرون آخرون منذ عدة أشهر".
وعن سبب عدم تمكن الحلف من الحيلولة دون وقوع الحرب رغم التنبؤ بها، قال ستولتنبرج: "حاولنا أن نثني روسيا عن تنفيذ الخطط. في يناير الماضي، حاولنا في مجلس ناتو-روسيا بدبلوماسية لإقناع روسيا بتغيير الخطط. عقدنا الاجتماع عقب خطاب الرئيس بوتين إلى "ناتو" الذي تضمن مطالب محددة. لقد رددنا في الخطاب مقترحاتنا وحاولنا مواصلة العملية السياسية".
الروس ادعوا أنه ليس لديهم خطط لغزو أوكرانيا
أضاف ستولتنبرج: "أتذكر أن الروس أخبرونا في ذلك الوقت بأنه ليس لديهم خطط لغزو أوكرانيا. كنا نعلم أن العكس هو الصحيح، لكن بالطبع كنا نأمل تغيير الخطط قبل تنفيذها -قبل أن تدور الدبابات وتسير القوات وتسقط القنابل. كنا نؤمن بالدبلوماسية حتى النهاية، لكن الرئيس بوتين لم يكن مهتما بحل سلمي".
وعما إذا كان توقع أن يتمكن الأوكرانيون من الدفاع عن أنفسهم لفترة طويلة، قال ستولتنبرج: "بالطبع لم نكن متأكدين، لكننا عرفنا أن الأوكرانيين أكثر قدرة على التصرف الآن، مما كانوا عليه في عام 2014 - عندما بدأت الحرب. منذ ذلك الحين قدم "ناتو" والدول الأعضاء فيه -ولا سيما الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا- دعما عسكريا كبيرا لأوكرانيا، من خلال برامج تدريب ومعدات.
وقد أسهم ذلك في جعل القوات المسلحة الأوكرانية أكبر بكثير، وأفضل تجهيزًا وتدريبًا وقيادة بكثير في فبراير 2022 مما كانت عليه في عام .2014 وهذا يفسر أيضا سبب قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم بشكل أفضل، مما كانوا عليه قبل ثماني سنوات".
ضرورة إرسال المزيد من الأسلحة لأوكرانيا لتحقيق السلام
وأكد ستولتنبرج ضرورة إرسال المزيد من الأسلحة لأوكرانيا لتحقيق السلام، وقال: "قد يبدو الأمر وكأنه مفارقة، لكن الدعم العسكري لأوكرانيا هو أسرع طريق للسلام",
وأضاف أنه لابد أن يقتنع بوتين بأنه لن يحقق هدفه في السيطرة على أوكرانيا. وقال ستولتنبرج إنه يتعين لذلك أن يكون هناك "حل سلمي تفاوضي يضمن سيادة أوكرانيا كدولة ديمقراطية مستقلة".
وأوضح أنه يعتبر الهجمات الأوكرانية الأخيرة على أهداف عسكرية في روسيا مشروعة تماما، قائلا: "لكل دولة الحق في الدفاع عن نفسها - وكذلك أوكرانيا".
وطالب بالنظر إلى الهجمات الأوكرانية في سياقها، في ضوء الهجمات الروسية الضخمة على البنية التحتية المدنية، والتي تهدف إلى حرمان الأوكرانيين من الماء والتدفئة والكهرباء في الشتاء.
وقال ستولتنبرج: "يحاول الرئيس بوتين تحويل الشتاء إلى سلاح ضد المدنيين. هذا ليس هجوما على أهداف عسكرية مع سقوط ضحايا من المدنيين. هذا هجوم واسع النطاق على المدنيين؛ لأن ملايين الأوكرانيين محرومون من هذه الخدمات الأساسية".
حلفاء الناتو زودوا أوكرانيا بأنظمة أسلحة بعيدة المدى
وحول ما إذا كان يرى أنه من المناسب تزويد أوكرانيا بصواريخ متوسطة المدى، قال ستولتنبرج: "هناك حوار مستمر بين الحلفاء وأوكرانيا حول أنظمة محددة"، مشيرا إلى أن حلفاء "ناتو" قد زودوا أوكرانيا بالفعل بأنظمة أسلحة بعيدة المدى في الماضي، مثل راجمات الصواريخ من طراز "هيمارس" ومدفعية بعيدة المدى وطائرات من دون طيار.
وأضاف: "نحن ندعم حق أوكرانيا في الدفاع عن النفس... إنه حق منصوص عليه في ميثاق الامم المتحدة".
وعن الجدل حول تسليم دبابات قتالية ألمانية وأنظمة "باتريوت" إلى أوكرانيا، قال ستولتنبرج إن هناك مشاورات جيدة حول هذه المسائل داخل الناتو وفي صيغة "رامشتاين" بقيادة الولايات المتحدة.
Always, we are united#WeAreNATO pic.twitter.com/O4Lc8zwXj4— NATO (@NATO) December 29, 2022
وأضاف: "بالطبع أدعو الحلفاء لفعل المزيد... من صميم مصلحتنا الأمنية ضمان أن تفرض أوكرانيا إرادتها وألا يفوز بوتين".
وفي الوقت نفسه، حذر ستولتنبرج من أن المناقشة لا ينبغي حصرها في تسليم أنظمة إضافية، قائلا: "الأمر لا يتعلق فقط بإضافة المزيد من أنظمة الأسلحة... ربما الأهم من ذلك هو أن يكون هناك ذخيرة كافية لجميع الأنظمة الموجودة بالفعل. هناك حاجة كبيرة إلى الذخيرة وقطع الغيار".
وعن تقييمه بأن روسيا تحاول تجميد الحرب حاليا من أجل الاستعداد لهجوم آخر في الربيع، قال ستولتنبرج: "ليس هناك ما يشير إلى أن الرئيس بوتين قد غير هدفه العام من هذه الحرب، ألا وهو السيطرة على أوكرانيا. لقد حشدوا العديد من القوات الجديدة. كثير منهم يتدربون الآن، وأظهروا استعدادًا لتحمل خسائر مؤلمة، كما أنهم يلجأون إلى أنظمة استبدادية أخرى، مثل إيران للحصول على المزيد من الذخيرة والأسلحة".
وأضاف أنه "لا يمكن التنبؤ بالحروب، ولكن علينا الاستعداد لطريق طويل ولهجمات روسية جديدة "، وقال: "لا ينبغي أن نقلل من شأن روسيا".
2022 was a year like no other. My deepest thanks go to #NATO troops and veterans for their service, and for keeping our 30 nations safe. Wishing you all happy holidays and best wishes for the new year. pic.twitter.com/A9KEr8LJq5— Jens Stoltenberg (@jensstoltenberg) December 21, 2022
نهاية الحرب لا تعني العودة الكاملة إلى الحياة الطبيعية
وعن تصوراته عن العلاقات المستقبلية مع روسيا في ضوء ما قاله المستشار الألماني أولاف شولتس مؤخرا، بخصوص إمكانية عودة التعاون الاقتصادي بين ألمانيا وروسيا، إذا أنهى الكرملين حربه في أوكرانيا، قال ستولتنبرج" "لا شيء سيكون كما كان من قبل. لا يمكن أن تعني نهاية الحرب العودة الكاملة إلى الحياة الطبيعية. طبيعة العلاقات مع روسيا في المستقبل ستتوقف على سلوك روسيا.
وقال: أعتقد أنه من الصعب تخيل أننا سننتهي مرة أخرى إلى الاعتماد على سلع مهمة استراتيجيا مثل الطاقة، لأن الاعتماد على روسيا أوجد نقاط ضعف، تحاول روسيا استخدامها لمنعنا من دعم أوكرانيا. لقد جعلنا الاعتماد على الغاز عرضة للخطر".
يذكر أن النرويجي ينس ستولتنبرج "63 عاما" يشغل منصب الأمين العام لحلف "ناتو" منذ أكتوبر 2014، وقبل ذلك كان يشغل منصب رئيس الوزراء النرويجي لما يقرب من 10 سنوات، والتي شهد خلالها أيضا هجوم القتل الجماعي، الذي نفذه يميني متطرف في أوسلو وأوتويا في صيف عام 2011 وستولتنبرج أب لابنين بالغين، ويهوى التزلج وركوب الدراجات.