مع نهاية كل سنة ميلادية وبداية سنة جديدة، تكثر برامج العرَّافين والمنجِّمين على القنوات الفضائية، وفي المواقع الإلكترونية؛ إذ يتبارى الفلكيون الذين تستضيفهم القنوات تحت مسمى (الفلكي المعروف أو الشهير) في إطلاق تنبؤاتهم عن العالم وتوقعاتهم للسنة الجديدة مستشهدين بما تنبؤوا به في أعوام سابقة، وقد يكون قد تحقق بعضها، وتلقى تسجيلات ومقاطع المنجّمين رواجًا لدى الناس الذين لا يعون خطر هذه الادعاءات؛ كونها توقع في الشِرك.
ورغم اتفاق أغلب الناس على صحة أثر «كذبَ المنجمون ولو صدقوا أو صدفوا»، إلا أن بعض المواقع والفضائيات ما زالت تعتني بالمنجّمين ومدّعي علم الغيب، مع أن دجل وخرافات العرَّافين تتعارض مع العلم والشرع والعقل والمنطق.
نحن نؤمن بالفلك وما فيه، ونصدق أن هناك علمًا اسمه الفلك يبحث في عالم النجوم وأسرار الكواكب.
فإذا قال الفلكيون إن القمر سيخسف في يوم كذا فنصدق بإمكانية حدوثه؛ لأن الخسوف آية، وإذا قالوا عن اكتمال الشهر ونقصانه والتعرف على أحوال الطقس والمناخ ونحو ذلك، فهذا نتقبّله بصدر رحْب؛ لأنه علم علَّمه العليم "جل جلاله" للإنسان.
لكن أن يُطلّ علينا الفلكيون بأمور أقرب ما تكون إلى ادعاء الغيب، فهذا الذي حرَّمه الإسلام، وشدَّد في التحذير منه.
هذا الفلكي - المنجّم – يظهر في القنوات ليتوقع أمورًا قد تحدث كوفاة زعيم أو خسارة فريق.. لكنها عموميات أشبه ما تكون بتحليل الواقع، كما لو توقعت خسارة فريق رياضي؛ بسبب غياب لاعبيه المؤثرين، أو حدوث حرب؛ بسبب توترات سياسية بين بلدين..
ليس المُلام هؤلاء الذين يثرثرون علينا بخرافاتهم، وليس المُلام مَن يسعى إلى تخدير الشعوب عن طريق ربط آلامها وآمالها بهذه التوقعات، كما ربطت بالأحلام والمنامات.. المُلام هو إعلامنا غير المنضبط الذي بات هدفه إعلاء كل ساقط، والاحتفاء بكل سلبي، وبكل هادم لثقافتنا، واستضافة مَن يزيّف الوعي.
كان الأحرى بإعلام العرب أن يقف على أسباب خسائر المجتمعات ومصائبها في العام الماضي، ويضع أصابعه على مواضع الآلام بدلًا من الاحتفاء بهذه «التوقعات» التي تُطلق عبر الفضاء؛ ليتلقفها الجهلاء.
حاجتنا اليوم ماسّة إلى استثمار العقول، لا أن توجّه الجماهير إلى عشق الوهم، والتعلق بالتنجيم، كما تعلَّق الجاهليون في جاهليتهم بالتطيّر والأصنام والكهانة.
بقي أن نعود إلى سؤالنا:
هل تصدّق توقعات الفلكيين؟
إذا كانت الإجابة بـ (لا).. فقد اكتشفت ألاعيب التخدير الجديدة للعقل.
وان كانت بـ (نعم).. فاستلقِ على قفاك، ودع كل ما يمكن أن تقوم به، وانتظر النجوم أن تحل مشاكلك وتحقق أحلامك!
* قفلة:
قال أبو البندري "غفر الله له":
(تغييب العقل، وتزييف الوعي).. من أخطر أدوات التخدير القديمة الجديدة.
ولكم تحياتي..