لا يختلف اثنان على أن العالم يسير في سرعة لم يشهدها من قبل في طريق التطور في كافة مناحي الحياة، وقد لا نختلف أيضا أن هذا التطور هو في الإعلام أكثر منه في أي جانب آخر، لا سيما وأن العالم يتطور نفسه من حيث الوسائل والوسائط المستخدمة فيه والتي تساهم في سرعة انتشاره ووصوله إلى كل إنسان وفي كل بقعة من بقاع الأرض، أو في محتواه المتعدد وبالتالي في حياة الأفراد والمجتمعات. وهو ذو دور مزدوج إنه ضروري لتطور كافة النواحي الحضارية والعلمية والثقافية التي يؤثر ويتأثر فيها وينقلها إلى فضاءات أرحب وأوسع، ومع تطور وسائط الإعلام ووسائله بالتزامن مع التطورات التقنية التي أصبح معها كل إنسان يستطيع اقتناء هاتف جوال وشريحة قادرا على التواصل مع الكون كله واستقبال ما ترسله هذه المصادر الفردية والمؤسسية دون عائق، ولم يعد ممكنا مراقبة المحتوى الذي ترسله هذه المصادر كما كان الحال سابقا عندما كانت تحظر الكتب ذات التوجهات التي لا يقرها المجتمع ولا حتى محطات التلفزيون التي كان حجبها ممكنا لم يعد حجبها ممكنا ولو أردنا، ولم يبق إلا تحصين الأفراد والمجتمعات ضد هذا الخطر الداهم الذي يؤثر تأثيرا بليغا في الأفراد وهو في المراهقين والشباب ذكورا وإناثا أكثر تأثيرا، فكم واحد منهم أخذه ذلك في مهاوي الرذيلة والمخدرات، وكم أسرة شتتها وهدمها، وكم ساهم في قطع الروابط والصلات بين الناس، وكم فضح من الأسرار وأشاع من الأضرار، والتحصين مقرون بالتوعية وطرح الأمور على حقيقتها وكشف أخطارها بدءا من الأم والأب في المنزل ومرورا بالمدرسة من مراحلها المبكرة وصولا إلى أعلى درجات السلم التعليمي وبما يتناسب مع عمر كل مرحلة ووعيها وإدراكها، ولا ينبغي أن يترك ذلك يجتهد فيه بما يشاء وهو ما يحرص عليه كثير من المعلمين محاولين بذلك أداء رسالتهم التربوية بل لابد من وضع مناهج مدروسة ترصد مصادر الخطر وتوضح سبل مواجهتها والحد من تأثيرها وبكل صراحة دون محذور قد يؤدي تجاهله أو السكوت عنه وعدم الرغبة بالتصريح به إلى تفشيه، والاستفادة في ذلك من تجارب المؤسسات والجهات الاجتماعية والقضائية والأمنية التي تطلع بحكم اختصاصها على أكثر المشاكل انتشارا وخطرا كما ينبغي تدريب المعلمين جيدا على سبل استفادة الطلبة والطالبات من دراسة هذه المادة وعدم اقتصار ذلك على النواحي النظرية بل بذل كل جهد ممكن إلى أن يتحول إلى سلوك يومي يكون فيه المعلمون والآباء المثل والقدوة، وبالتأكيد فإن المحتوى النظري لهذه المادة الدراسية ينبغي أن يكون مشوقا وجاذبا وشاملا تدريب المتعلمين على أساليب الاستفادة من التقنيات الحديثة والثورة الرقمية وتوظيفها بما ينفعهم وإتقان مهاراتها وتمييز الغث والسمين من المحتوى الرقمي المطروح وكيفية الحد من آثاره السلبية والمساهمة في إثرائه بالمحتوى الذي يعلي شأن الأخلاق والقيم السامية، ويقبح ما يسيء إلى الفرد والمجتمع.. ولا شك أن لدى وزارة التعليم الإرادة كما أن لدينا من المربين والأكاديميين والخبراء من يستطيعون بالتأكيد القيام بهذه المهمة.