معظمنا يعاني سرًّا من الالتزام بقواعد اجتماعية لا تُحصى، قد يكون بعضها ضروريًّا لحياة مدنية آمنة، والالتزام بها قد يُكسبك الانسجام مع الجماعة، لكن المبالغة فيها تُفقدك عفويتك وسماتك الطبيعية، وتتحوَّل إلى إنسان "هياب" يفتقر إلى الثقة، وكثير التردد والحيرة، ويجعل منك إنسانًا دفاعيًّا مستاءً في سرك، وقد يظهر ظلك بلا وعي منك، ويتجلى في نوبات وطفرات متفجرة ملحقًا الضرر بك.
نحن البشر خبراء في اكتشاف وجود الأقنعة من عدمها، بملاحظة تصرفات الشخص غير الكلامية، وإيماءاته المسترخية أو المتوترة، ونبرته المتلعثمة أو المنسابة، وطريقة تحديق العيون وصدق الابتسامة وزيفها.
لكن المؤكد في الأمر أننا ننجذب لصادقي النفس، ونرفض الصنف المضاد بلا وعي منا، والسبب في ذلك أننا في سريرتنا نأسى على الطفل الذي فقدناه في طبعنا، شعلة الاتقاد، صفاء العفوية وانفتاح العقل وحِدّته، وطاقتنا الإجمالية التي ضعفت نتيجة ما فقدناه من أنفسنا.
فنجد عند صادق النفس ما يحتفى به من إمكانية دمج الناضج بالطفل فينا، ودمج المعتم بالمشرق والعقل الباطن بالواعي، فنتوق للاقتراب منهم، لعل شيئًا من طاقتهم يؤثر فينا.
الاحتكاك بأشخاص صادقي النفس يدلك على المسار الذي عليك أن تسلكه، مسارًا يرتكز على الوعي الذاتي، والتحكم بالظل وتوجيهه وإعادة دمجه، فإذا علمت ما فقدته أمكنك إعادة الاتصال بذلك الجزء منك الغارق في الظل.
الظل جزء من الشخصية يُنكره المرء ويكبته، فمن الأسهل علينا التنقيب في الخصال المعتمة للآخر، وتقديم العظات، لكن ادعاء الكمال لن يسعفك، ولو لم تشاهد ظلك، وتعترف به لن تكون إلا نصف إنسان، وسيظل نصفك الآخر مطمورًا فيك.
لاحظ خصالك التي تُنكرها، وستجدها في فوراتك العاطفية عندما يضرب أحدهم على وتر حسّاس عندك، فيظهر قلق دفين يحفز خصلة الظل فيك، ويدفعها إلى السطح.
رد فعلك الطبيعي عند تكشّف جانبك المعتم هو الشعور بالانزعاج، واكتفاؤك بمجرد إدراك سطحي لظلك، لكن هدفك هنا يجب أن يكون القبول التام بخصال ظلك، والاعتراف بها، والتعامل معها، فكن جسورًا مقدامًا في هذه العملية وربما يفيدك أن تعلم أن الصفات التي تكرهها وتُنكرها في الآخرين، وسماتهم المعتمة التي تجد نفسك شديد الحساسية تجاهها أنت تكتمها في نفسك.
عندما تستكشف ظلك ستتكشف لك أعماق تكمن داخلها طاقة إبداعية عظيمة، عندما كنا أطفالًا كانت عقولنا سلسة جدًّا ومنفتحة للغاية، نقوم بربط الأفكار بطريقة بديعة، لكن مع التقدم في العمر نميل لتضيق ذلك نتيجة عيشنا في عالم معقد تحكمه أفكار مستقاة من بيانات ضخمة، وقد يبدو فيه في الربط الحر للأفكار وصور الأحلام والخواطر والسوانح أمرًا غير منطقي وغير موضوعي إلا أن ذلك يقودنا إلى التفكير العقيم في أبلغ صورة.
لتسير في طريق الإظهار الواعي لظلك عليك أن تفرض احترام آرائك خصوصًا في مجال تخصصك الذي تؤمن بنبوغك الفطري فيه، وتعبّر عن ذاتك بوضوح، وتحتفظ بأصالتك، وتقلل من مداهنة الناس وتقلص اهتمامك بما يقولونه عنك لتشعر بالحرية،
انظر في حياة الناجحين ستلاحظ أن السمة المشتركة بينهم ميلهم إلى فرض أنفسهم، وإظهار طموحاتهم، وقلة اهتمامهم بما يظنه الآخرون فيهم. فالإبداع يتطلب التركيز وبذل الطاقة في إطار من الصحة النفسية والحرية الانفعالية.
إدراكك لظلك يخلصك من الرغبات والاندفاعات التي تقبع مستترة في زوايا شخصيتك، ويعزز حضورك إنسانًا صادق النفس، وعندها فقط سيغدو ظلك حليفك!!