قال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. أسامة عبد الله خياط، إن صرفُ النعم فيما يُرضِي المُنعِم، والتقوِّي بها على طاعته، وتوجيهُها الوِجهةَ الصالحةَ، واستِعمالُها في كل خيرٍ عاجلٍ أو آجِلٍ، آيةٌ بيِّنةٌ على سعادة المرء؛ إذ سلَكَ مسالِكَ أُولِي الألباب، واقتفَى أثرَ المُتقين.
وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "لئن تتابَعَت النِّعَمُ وترادَفَت المِنَن، وتكاثَرَت الآلاء، فكانت غيثًا مِدرارًا لا ينقطِعُ هطُوله، وفيضًا غامِرًا لا يتوقَّفُ تدفُّقُه، عطاءً كريمًا من ربِّنا الكريم الرحمن الرحيم، وتفضُّلًا منه على عباده بغير استحقاق، وإحسانًا منه بغير استِكراه، إذ لا مستَكرِهَ له سبحانه".
بعثة النبي الكريم من أجل النعم
وبين فضيلته أنَّ النِّعمة الكبرى التي لا تعدِلها نعمةٌ، والمنَّة العظمَى التي لا تَفضُلُها مِنَّة، هي نعمة الهداية إلى دين الإسلام، وإحسانه عز وجل إلى عباده أن بيَّن لهم بما أنزل في كتبه، وأوحى إلى رسله، الغاية من خلقه لهم؛ كي لا تضلَّ الأفهام في معرفتها، فأوضح سبحانه أنَّه خلق العباد جميعًا لعبادته وَحده لا شريك له، وأنه استخلف آدم في الأرض ثم استخلف ذريته من بعده.
وأوضح فضيلته أن من أجلِّ النِّعم، نعمة بعثة النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- بالهدى ودين الحق، ليخرج الناس برسالتِه منَ الظلمات إلى النور، ولِيهديهم به سُبُل السلام، ويَضَع عنهم الآصارَ والأغلال، وليسمُوَ بهم إلى ذُرى الخير والفضيلة، ويَنأَى بهم عن مهَابِط الشرِّ وحمأةِ الرذيلة، وليسلُكَ بهم كلَّ سبيل يبلِّغهم أسبابَ السعادة في العاجلة والآجلة، ولِذا كانت بعثتُه -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للخَلقِ كافَّةً، ونعمةً على البشَر قاطبةً.
وأضاف الشيخ د. أسامة عبدالله خياط، أن من نعم الله تعالى على عباده، نعمة السمع والأبصار والأفئدة التي خصَّها الله بالذكرِ لشرفِها ومنزلتِها؛ إذ هي مفاتيحُ كلِّ علمٍ، وسببٌ مُوصِلٌ إلى الهداية إلى صراط الله المُستقيم، وسبيلٌ يُدرِكُ به المرءُ ما يرجوه ويُؤمِّلُه، ويُميِّزُ به بين ما يضُرُّه وما ينفعُه.
وتابع فضيلته: من نعم الله تعالى، أيضًا، على عموم خلقه، نعمة الأزواج ليأنسوا بها، ولتكون بينهم الألفة والمودة والرحمة، ونعمة الذرية من بنين وبنات وحفدة، وما رزقهم به من الطيبات، والرسول الكريم عليه صلوات الله ، مضى على طريق من سبقه من الرسل في لزوم الشكر لله تعالى على نعمائه، وجزيل آلائه، شكرًا تترجم عنه الأعمال، وتصوِّره الأفعال.
وبين: جعل الله الشكر سببًا لزيادة فضله، وحارسًا حافظاً لنعمته, وإن من تمام نعمه سبحانه، وعظيم بره وكرمه وجوده وإحسانه، محبته لعباده على هذا الشكر، ورضاه منهم به، وثناءه، عليهم به، ومنفعته مختصة بالعبد ولا تعود منفعته على الله، وهذا غاية الكرم الذي لا كرم فوقه، ينعم عليك ثم يوزعك شكر النعمة، ويرضى عنك ثم يعيد إليك منفعة شكرك، ويجعلك سببًا لتوالي نعمك واتصالها إليك والزيادة على ذلك منها.
حق الجار والوصية به
وفي المدينة المنورة، قال إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ صلاح البدير إن من الصلات التي ترتقي في المكارم ارتقاء البدور وتنتظم في لبة المجد انتظام الشذور وتتسع في الفضل اتساع البحور، حسن الجوار وإكرام الجار .
وبين أن اسم الجار يشمل الملاصق الذي يجاورك والمقارب ولو لم يكن ملاصقًا والمقابل الَّذِي يَفْصِلُك عنه الطريق والمحاذي المسامت والمشارك في الزقاق والسكة والطريق والمخالط في المسجد ونحوه ، وقيل من ساكن رجلاً في محلة أو مدينة فهو جار ، وقد أمر الله ببر جار البيت والإحسان إليه وإكرامه دانيًا كان نسبه أو نائيًا .
وتابع فضيلته: إن من حسن نجاره حسن جواره ومن أحسن إلى جاره نزلت البركة في داره ولا يستوي جار عطاف ودود يتخرّق في الكرم والجود ومن بنانه يجري الماء في العود وجار نكود كنود جحود ومن إكرام الجار حسن عشرته وحفظ أمانته وستر عورته وغفر زلته وإقالة عثرته ورد غيبته وصون حرمته وذمته وإدامة نصيحته وإجابة دعوته ومكافأة صلته وقضاء حاجته وحسن نصرته ومعونته ورعاية جيرته والكف عن أذيته وترك التغرير به وختله ومخادعته.
وأضاف الشيخ البدير: أعرف من يكون بحال الإنسان أهله وجيرانه، والسعيد من تتابعت ألسن أهل الثقة والأمانة من جيرانه له بالخير والثناء لأن ألسنة الجيران لسان الميزان وبينة الإساءة أو الإحسان، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قالَ: قال رجل لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأْت قَال النّبي صلى الله عليه وسلم " إذا سمعت جيرانك يقولون أَن قَد أحسنت فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون قد أسأْت فقد أسأْت".