يأتي الشتاء بوجهه الجميل، بنسائمه البديعة، فترقص أغصان الشجر وتتمايل الأشجار على أنغام تعزفها حبَّات المطر فتنعش القلوب، وتمسح الأحزان، وتغسل الأعماق التي يجتاحها الجفاف، وتلوّنها بألوان طيف قوس قزح الزاهية، هذا وجه من وجوه فصل الشتاء.
وآخر رومانسية وهدوء واستنشاق لرائحة المطر وشذاه العذب يداعب الوجدان، ويهمس الندى بهمس جميل: تمتَّع ومتِّع مَن تحب، نعمة نعيشها من نِعَم المولى «سبحانه وتعالى»، نِعَم بلا استثناء هنا وهناك في الأرض وفي السماء.
وآخر من الوجوه. شمسٌ مُشِعّةٌ تأتي على استحياء توزع البسمات بأشعتها الذهبية تصافح الوجوه، تعانق القلوب سعادة وتفاؤلًا بصمت ناطق. أنا هنا، أنا هنا، أمسح جبين الأرض في جوهر الشتاء.
أما القمر فضياؤه نور يزيح الهموم، أحلامه وردية وسماؤه زرقاء صافية تعكس الأمل والحب والسناء، نجومه لآلئ تزين الآفاق تحجب السحب الملبَّدة بالغيوم، فلا يُرى منها سوى فجر أضاء بالأماني والمُنى.
ومن الوجوه، خمائل خضراء والظل ظليل، وانتعاش أسطورة يترجمه السرور، وتأنس لها النفوس، يستعذبون الشتاء، ويطيب لهم فيه العيش الرغيد؛ لأن لديهم فائضًا من التدفئة، والكساء والغذاء، وكل ما تتطلبه الظروف.
مارك توين: كل شيءٍ جميل في الشتاء عدا ارتجاف الفقراء. وهذا وجه آخر.
هم وحدهم مَن يرون الوجه القبيح من وجوه الشتاء، خاصة المتعففين الذين أوصانا بهم الله خيرًا، وهبهم الله منحة ربانية هي الرضا بما قسَم لهم الله. أصحاب الحاجة الذين يعيشون ظروفًا حياتية صعبة لكنهم متعففون «يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا».
هؤلاء هم مَن يجب البحث عنهم ومساعدتهم، غيرهم من الفقراء، الجمعيات الخيرية، جزاها الله خيرًا، لا تتركهم يرون الوجه القبيح للشتاء، وحتى لا نظلم الأغنياء، فمنهم الكثير الذي يعطي ويقدّم لمَن يحتاج ويجتهد لكشف قناع الفقر عن الوجوه المتعففة لكن ليس بالسهولة التي نتوقعها، لا بأس، فلنعمل جميعًا جاهدين بكل ما نستطيع وبكل الوسائل، ولا نترك وسيلة للبحث عنهم وانتشالهم من الفاقة والعوز.
فقراء معدمون متعففون يرفضون أن يرى غيرهم حاجتهم، منازلهم تشتكي لربها صقيعًا لا يحتمله ساكنوها يُجمِّد أجسادهم، لا طعام فيه يمدهم بالقوة، ولا وسائل تدفئة. تشتد حاجتهم في برد الشتاء القارس الذي لا يرحم وللطعام، قد تكون بيوتهم متهالكة يتسلل فيها البرد من فتحات لم يستطع أصحابها ترميمها.
قرأتُ حديثًا لرسول الله «عليه أفضل الصلاة والسلام»: «من كسا مسلمًا ثوبًا لم يزل في ستر الله ما دام عليه منه خيط أو سلك»،
تصوّر.. يظل كاسي الفقير في ستر الله تعالى فترة ارتداء الفقير للثوب حتى آخر خيط أو سلك في الثوب. للفقراء علينا حقٌ دائمٌ فلنتذكرهم على الدوام.
[email protected]