لا أعلم ما الأسباب التي تدفعني إلى الكتابة بين حين وآخر عن الموانئ السعودية، ربما النجاحات التي تحققها هذه الموانئ هي من تقف خلف هذه الأسباب، وربما الأسباب الأخرى ترتكز على قناعتي الكاملة بأهمية قطاع النقل والخدمات اللوجستية، وما يمثله من قوّة وحيوية لدى كل اقتصاد عالمي قوي وحيوي في الوقت ذاته.
الموقع الجغرافي المميز للمملكة العربية السعودية، والذي يربط القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأوروبا)، يعتبر ركيزة مهمة، تزيد من أهمية استثمار هذا الموقع الجغرافي، بما يحقق تطلعات الاقتصاد العالمي من حيث سهولة نقل البضائع وحيويتها، ومن حيث المساهمة بشكل إيجابي في الناتج المحلي، وهو الأمر الذي تتطلع إليه رؤية 2030؛ وبرامجها الوطنية المنبثقة منها.
قبل أيام قليلة، قرأت تقريراً مهماً يتم من خلاله التأكيد على أن الهيئة العامة للموانئ «موانئ»، عززت نجاحات القطاع البحري والموانئ خلال عام 2022م بإنجازات استثنائية واعدة على الأصعدة كافة، تُسهم في جعل الموانئ السعودية عنصر جذب استثماري، بما يُرسخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي؛ تماشياً مع مستهدفات الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية.
وحققت المملكة الصدارة العالمية في مؤشر أداء كفاءة موانئ الحاويات، الصادر عن البنك الدولي؛ وجاء ميناء الملك عبدالله في المرتبة الأولى، بعد أن كان في المركز الثاني، وأحرز ميناء جدة الإسلامي المركز الثامن صعودًا من المركز 53، وتقدم ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام إلى المرتبة الــ 14، بعد أن كان في المركز 102، بما يعزز تنافسية الموانئ السعودية.
وارتقت المملكة بمركزها في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية ضمن تقرير «UNCTAD» للربع الرابع لعام 2022م بتسجيل «71.33» نقطة بزيادة 1.88 نقطة عن الفترة نفسها من عام 2021م؛ وذلك نتيجة لإضافة 9 خدمات ملاحية جديدة تربط الموانئ السعودية بموانئ الشرق والغرب.
ووقعت الهيئة العامة للموانئ «موانئ» خلال عام 2022م اتفاقيات استثنائية لإنشاء 7 مناطق لوجستية متكاملة بقيمة استثمارية تتجاوز 2 مليار ريال، وتوفر أكثر من 6 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في المرحلة الأولى، وذلك بشراكات إستراتيجية مع شركات محلية وعالمية، كما قدمت 14 فرصة استثمارية للقطاع الخاص، تشمل تطوير وتشغيل محطات متعددة الأغراض.
وفي إطار جهودها المستمرة باتجاه التحول الرقمي، أطلقت «موانئ» مبادرة الموانئ الذكية مستهدفة أتمتة العمليات التشغيلية في الموانئ السعودية، عبر 3 اتفاقيات مع نخبة من الشركات السعودية والعالمية الرائدة في القطاع التقني واللوجستي، وذلك للتوسع في الخدمات المقدمة بالموانئ السعودية ومضاعفتها من 46 خدمة حالية إلى 150 خدمة مستهدفة، بقيمة استثمارية تتجاوز مليار ريال.
مثل هذه النجاحات التي تم تحقيقها في قطاع الموانئ خلال العام المنصرم 2022م، تزيد من مستوى التطلعات نحو نجاحات أكبر، ومساهمة أعلى في الناتج المحلي، وكلي ثقة في أن هذا القطاع سيصبح واحداً من القطاعات الأكثر حيوية، بما ينعكس إيجاباً على الحركة التجارية العالمية من جهة، وبما ينعكس في الوقت ذاته إيجاباً على الناتج المحلي، وفرص الاستثمار، والعمل... ومن نجاح إلى نجاح -بإذن الله-.