الأقرب لوصف وتشخيص البطالة في سوق العمل بالوقت الحالي هو تعريف البطالة الهيكلية “Structural Unemployment”، وهو عدم التوافق بين فرص التوظيف المتاحة ومؤهلات وخبرات المتعطلين الراغبين في العمل والباحثين عنه، وفي هذا المقال سأتطرق لبعض المؤشرات التي تم الإعلان عنها في نشرة سوق العمل الأخيرة وتدعم تشخيص هذا النوع من البطالة.
وفقاً لآخر نشرة لسوق العمل، والخاصة بالربع الثالث من عام 2022م، لفت انتباهي بعض المؤشرات المهمة الخاصة في تشخيص معدلات البطالة للسعوديين، منها تفصيل المستوى التعليمي ونسبة المتعطلين من لم يسبق لهم العمل، فبتشخيص معدلات البطالة حسب المستوى التعليمي، نجد أنها ترتفع في التعليم الثانوي للذكور، وتتركز بشكل كبير على الحاصلات على البكالوريوس أو ما يعادلها فيما يخص الإناث، ونجد أن 80,2 % من المتعطلين السعوديين لم يسبق لهم العمل، ونجد أن هذا المؤشر في ارتفاع واضح للذكور والإناث، وبقراءة بسيطة نجد أن تجاهل التعامل مع تلك المؤشرات يعني أننا ندخل في دوامة هدر لاستثمارات التعليم في المملكة.
التركيز بمستويات أعلى على مبادرات وإستراتيجيات لحماية المشتغلين الحاليين في سوق العمل، لا يكفي للتعامل مع متغيرات السوق، وحتى نتمكن من التعامل مع مؤشرات سوق العمل بشكل أكثر مرونة، من المهم أن تكون هناك مبادرات وإستراتيجيات مختصة في التعامل مع الداخلين المحتملين لسوق العمل خلال السنوات الثلاث القادمة كمرحلة أولية، فتلك الفئة ستتشكل من أعداد ليست بالقليلة، وينبغي الاستعداد للتعامل معها مبكراً، ومع استمرار ارتفاع اعداد الداخلين المحتملين لسوق العمل، فينبغي أن نشهد تغيرا جذريا وكبيرا في إستراتيجية التعليم وخاصة التعليم المهني والتقني، والحمل هنا ليس بالسهل على وزارة التعليم، ولكن التأخر فيه سيزيد بشكل كبير من التكلفة الاقتصادية وخاصة تكلفة إعادة هيكلة سوق العمل والانفاق الحكومي على القطاع.
من المهم التفكير بطريقة أوسع، حتى نصل لأقصى النتائج في أي إستراتيجية، فالتخطيط طويل المدى لا يتعامل مع القرارات المستقبلية، بل مع مستقبل القرارات الحالية، ولذلك التعامل مع مؤشرات المتعطلين ينبغي أن يستهدف رفع جاذبية الداخلين المحتملين من الثروة البشرية لسوق العمل، ورفع مستويات التراكم المعرفي فيه.
في الوقت الحالي وحتى نتمكن من التعامل مع تلك المؤشرات، من المهم أن نؤسس قاعدة قوية وصلبة، من خلالها يتم تغيير مفهوم «ربط احتياج سوق العمل مع مخرجات التعليم» إلى مفهوم «ربط احتياج سوق العمل مع مهارات العاملين فيه والداخلين المحتملين له»، وذلك من خلال تفعيل أكبر لبرامج تحويل المسار التخصصي للمتعطلين عن العمل في التخصصات التي تشبع منها السوق أو تعتبر غير مطلوبة بالوقت الحالي، بالإضافة لإنشاء برامج خاصة لتطوير مهارات الثروة البشرية المحلية، وفقاً لاحتياجات سوق العمل خلال فترة محددة تتم مراجعتها بشكل دوري.
برامج الدعم والتي يشرف عليها صندوق الموارد البشرية تعتبر الركيزة الأساسية لتحسين تلك المؤشرات، وأقترح أن تمتد فترة دعم الأجور لتشمل 36 شهرا كحد أدنى للمتعطلين من لم يسبق لهم العمل، وإضافة لذلك تعديل آلية برنامج تمهير، بربطها مع فترة دعم أجور أطول عند توظيف من يلتحق في البرنامج عند نفس المنشأة.
إستراتيجية توليد الوظائف تختلف اختلافاً جذرياً عن إستراتيجية التدوير أو الإحلال، وكلما كانت الإستراتيجيات مجزأة قطاعياً ومناطقياً فستكون النتائج مُذهلة، وهذا ما نراه اليوم بعد التوجه قطاعياً ومناطقياً في إستراتيجيات التوطين، ولكن ما زلت أرى مساحة أكبر لتحرك وزارتي الاقتصاد والتعليم في هذه الإستراتيجية حتى نتمكن من التعامل مع تلك المؤشرات بشكل أكثر مرونة.