المتمعن في التقدم الحضاري للأمم يلاحظ أن الفكر هو أساس ما وصلت إليه، وأن رأس المال الفكري عماده الإنسان المبدع، وهو أهم الثروات التي تمتلكها، وهو معين لا ينضب كبقية المصادر التي تنضب مهما طال استثمارها، من هنا تجيء أهمية إعلان سمو ولي العهد -يحفظه الله- إطلاق استراتيجية جديدة لحفظ حقوق المبدعين والمبتكرين.
ويزداد إطلاق هذه الاستراتيجية أهمية في وقت تتصدر فيه المملكة مؤشر براءات الاختراع عربيا، وتحتل مواقع متقدمة عالميا حيث تحتل المؤسسات السعودية والجامعات والأفراد مراتب متقدمة في هذا المجال، كما يأتي في الوقت الذي تحقق فيه الدول أرقاما قياسية في تسجيل براءات الاختراع الدولية يدفع إلى ذلك التعليم العالي ومؤسساته حيث تشكل هذه المؤسسات، وهي جامعات أو مراكز أبحاث، المصدر الرئيس لبراءات الاختراع، فقد شهد العام الماضي 277.500 براءة اختراع دولية وفق تقرير (مجموعة أكسفورد للأعمال)، أما المملكة فقد احتلت المرتبة الأولى عربيا والخامسة والعشرين عالميا، فيما جاءت البرازيل في المرتبة السابعة والعشرين، وجنوب أفريقيا في المرتبة الخامسة والثلاثين، كما تأتي المملكة في مقدمة الدول التي يعمل فيها التعليم العالي في تكامل مع قطاع الأعمال في مجال براءات الاختراع، فقد احتلت الجامعات السعودية مكانة بارزة بين جامعات العالم جعلت المملكة في قائمة الاقتصادات الناشئة الرائدة، كما احتلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن المرتبة (14) عالميا، وهي بذلك أعلى جامعة في التصنيف خارج الولايات المتحدة بعد جامعة تسنغهوا الصينية، واحتلت جامعة الملك عبدالعزيز المرتبة (33).
أما تصنيف أهم براءات الاختراع في المملكة فقد كان من بين (71) براءة اختراع (27) براءة في الرعاية الصحية و(22) في الصناعات التنموية و(18) في تنمية الموارد الطبيعية و(4) في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات.
ويعكس هذا التصنيف أداء الجامعات السعودية وتعاون مؤسسات التعليم العالي مع القطاع الصناعي فيما يتعلق بالملكية الفكرية، وكذلك فإن تبني عدد من الشركات ومنها شركة سابك للمنح التعليمية هو أحد الأسباب التي مكنت الجامعات السعودية على التفوق في مؤشرات الاختراع المحلية والدولية، حيث بلغ عدد الطلبات حسب الهيئة السعودية للملكية الفكرية عام 2021 (3979) طلبا، فيما بلغ عدد البراءات المعتمدة لنفس العام (1746) اختراعا.. ولا شك أن الاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها سمو ولي العهد سيكون لها أكبر الأثر بما توفره من حماية للملكية الفكرية وتحفيز المبدعين على مزيد من الجهود، كما سيكون لها دور مؤثر في تحول الأفكار إلى تطبيقات عملية تساهم في توفير احتياجات الإنسان في كافة مناحي الحياة وفي مدّ الاقتصاد الوطني بالمزيد من أسباب القوة والمنعة وتعدد الموارد وتنوعها وتحقيق الاستدامة المالية -بإذن الله-.