يمثل التزام الاستدامة في القطاع الاقتصادي بشكل عام، والصناعي بشكل خاص، أحد أهم وأبرز التحديات في واقعنا المعاصر، وهذا المفهوم جدير بالنظر إليه كأولوية إستراتيجية في تطوير الأداء وتحسين الكفاءة وصولًا إلى التميُّز التشغيلي، وضمان استمرارية الأعمال بأعلى معايير الجودة، وفي أفضل الظروف العملية التي تدعم تلبية الاحتياجات وتقديم المنتجات والخدمات بصورة مثالية.
ولا يقتصر مفهوم الاستدامة على قطاع بعينه أو دولة محددة، وإنما يغطي كامل النشاط البشري، وخلاصته أنه يعمل على تغطية احتياجاتنا الحالية دون المساس بموارد الأجيال القادمة، فالهدف الأساسي للاستدامة هو معرفة كيفية المحافظة على طريقة عيشنا على مدى فترة زمنية غير محددة؛ لأن طريقة معاشنا اليوم غير مستدامة.
ومنذ ظهور المفهوم الحالي للاستدامة للمرة الأولى في عام 1987م، بدأت محاولات على نطاق واسع لتقديم حلول للمشاكل الناشئة عن التصنيع والنمو السكاني، ومن المهم في هذا الإطار تعزيز مفهوم الاستدامة الاقتصادية، فحينما يتم إنشاء شركة، يترافق معها إنشاء هيكل يتضمن النفقات والإيرادات، وعندما يحدث تحقيق التوازن بين هذين الأمرين تحقق الشركة ربحًا، وذلك يعني أن الاستدامة الاقتصادية تمثل قدرة الشركة على إدارة مواردها وتحقيق أرباح بشكل مسؤول على المدى الطويل.
يبدو المفهوم بسيطًا، ولكن تطبيقه بحاجة إلى تركيز كبير حتى تتحقق النتائج الطموحة التي تهدف إليها كل شركة أو مؤسسة، وهو في نهاية الأمر صمام أمان وضامن قوي لاستمرارية عمل الشركة أو المؤسسة؛ لأنه تتأسس معه المنظومة الداعمة للهيكل التنظيمي والتشغيلي، ويجعل الأعمال أكثر سلاسة ومرونة وموثوقية، ولذلك من الأهمية أن تتوسع قاعدة الاستدامة في اقتصادنا الوطني.
ذلك التوسع بدأ مؤخرًا مع توقيع وزارة الاقتصاد والتخطيط مذكرة تفاهم مع منصة عالمية بارزة لتعزيز الأعمال المستدامة القائمة على البيانات في المملكة، يتم بموجبها استكشاف مجالات التعاون المحتملة، مثل تبادل الخبرات في استخدام البيانات الضخمة، وبحث التعاون في تدريب الكوادر السعودية على فهم وتحليل بيانات الاستدامة، والمشاركة في الفعاليات والأنشطة ذات الاهتمام المشترك، وذلك ما ينبغي أن تتفاعل معه مؤسسات القطاعَين العام والخاص، وتسعى إليه، فمثل هذه التقنيات تمنح الشركات والمؤسسات، أيًّا كان حجمها، فرصة هائلة للاستمرارية والنمو والتطور على المدى البعيد.