يحاول الكثير من الناس بداية أعوامهم بأهداف جديدة يريدون تحقيقها من خلاله، وهذا أمر جيد أن يدرك الإنسان ماذا يريد وكيف سيصل إليه، لكن فعل ذلك بالشكل الهندسي والتخطيط المبالغ فيه وتأطير الحياة والظروف والأقدار أمر غير منطقي أو مقبول، حيث إن ما ينطبق على العمل لا ينطبق على الحياة، ولأننا نحن المسلمين نعلم أن القدر موكل بالمنطق، وأن الدعاء يرد القدر، وأنه قد تتحقق لنا الأحلام والمستحيلات فقط بسبب التفاؤل والدعاء، لكننا نؤمن أيضا بأن «الخيرة» مفهوم شاسع وشائع يطمئن العبد عند تغير مسار أهدافه أو تبديل خياراته.
وعندما أقرأ مقولة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه وهو الشهير بزهده التي تقول «إن لي نفسا تواقة، ما أعطيت شيئا إلا وتاقت لما هو أكبر، تاقت نفسي إلى الزواج من فاطمة بنت عبدالملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها»، أعلم يقينا أن الزهد والطموح لا يتعارضان إطلاقا، خاصة إن كان هذا الطموح يدفع الإنسان لتحقيق الخير والعدالة وخدمة الناس بالحق، لكن هذا الطموح لا يجب أن يتم التركيز فيه كأهداف يجب أن تتحقق في مدة معينة سواء بالطريقة الصحيحة أم لا، حيث يصل الإنسان مرحلة يريد فيها تحقيق وإغلاق أهدافه بأي حال وإن لم تكن بالشكل الصحي المناسب له ولمن حوله، مما يتنافى مع الهدف العام الأهم الذي يجب أن يكون لكل إنسان طوال حياته وهو السلام الداخلي وتحقيق السعادة والرضا.
إن وجود أهداف على الصعيدين الدراسي والعملي يرغب الإنسان بتحقيقها أمر رائع ويساهم في دفعه للتقدم والسعي والشعور بالشغف والحماس، كما أنها مجالات يمكن تحكم الإنسان بمعطياتها ومخرجاتها، لكنه في المقابل توجد أهداف تتعلق بالحياة العامة والحياة الشخصية لا يمكن وضعها كأهداف مرتبطة بتوقيت للتحقق، لأنها ببساطة ترتبط بعدة أمور بدءا بمشيئة الله وانتهاء بالظروف والأحداث التي تربك الإنسان وتغير مسار حياته، وعليه فإن الإنسان العاقل عليه أن يعلم أن بيع الكلام الجميل سهل، لكن تحقيقه ومحاولة صب الحياة الواسعة بخياراتها في قالب ضيق، سيفيض عن القالب بلا شك.
وحيث إن الأصل عند انتهاء أو بداية كل عام، حمد الله على ما مضى وسؤاله الخير فيما هو آت، كان لابد من استشعار النعم على جميع الأصعدة قبل التفكير بالأهداف التي يجب قرن طلبها دائما باستخارة الله، فمهما بلغنا من العلم والمهارات فلن نصل للخير المكتوب لنا بذكائنا وحدنا، بل بتوفيق وتسهيل الله سبحانه الذي قدر لكل إنسان حياته بتفاصيلها قبل ميلاده.