ارتبطت الزراعة بذاكرة الإنسان بنجران كموروث ثقافي واجتماعي تتوارثه الأجيال، فكانت نجران وما زالت واحة زراعية، تحتضن مختلف أنواع الأشجار والنباتات، لخصوبتها ووفرة مياهها، وأيضًا اعتدال أجوائها صيفًا وشتاءً.
وكنتيجة للشغف الزراعي استطاع المزارعون بالمنطقة من زراعة أكثر من 4 آلاف شجرة بُن، بدأت بعضها في الإنتاج هذا العام، كما يتوقع بدء إنتاج الأشجار المتبقية خلال العام القادم.
وفي جولة على مزارع البُن في مدينة نجران، ومركز هداده التابع لمحافظة بدر الجنوب، أوضح المزارع منصور بن ناصر الشرمان، الذي تقع مزرعته في مركز هداده أنه بدأ هذا العام في حصاد ثمار البُن كأول محصول للأشجار.
وأكد نجاح زراعته لشجرة البُن في مزرعته، واستخدام إنتاج هذه السنة في توفير البذور لاستزراع المزيد من الأشجار نظرًا لجودة المنتج وتأقلم الشجرة مع البيئة والأجواء، إلى جانب قلة استهلاكها للماء إذ لا تحتاج لأكثر من 30 لترًا أسبوعيًا، خصوصًا مع وجود الموقع ضمن النطاق العالمي لزراعة البُن على ارتفاع 1800م عن سطح البحر.
سمو أمير #نجران يستعرض أعمال زراعة البن بالمنطقة. https://t.co/ekgMXlKXis pic.twitter.com/eVzFoPoo7G— إمارة منطقة نجران (@emara_najran) December 13, 2022
نجران ضمن حزام القهوة العالمي
من جانبه، بيّن رئيس اللجنة الزراعية بغرفة نجران والمشرف على مزارع البُن بمدينة نجران، علي ظافر آل حارث، أنَّ أشجار البُن تعيش في الدول الواقعة على امتداد ما يسمى بحزام القهوة العالمي في المناطق، التي تقع على ارتفاع بين 800م إلى 2500م عن سطح البحر.
ومنطقة نجران ضمن الحزام العالمي بارتفاع 1300 إلى 2000م عن سطح البحر، مع توافر العناصر التي تحتاجها شجرة البُن للنمو من خصوبة التربة والمناخ الحار نسبيًا، إضافة إلى تشابه بداية زراعتها مع زراعة فسائل النخيل لتستفيد من ظلها وحجب الرياح النشطة عنها، ووقايتها من الجفاف، وتحملها ملوحة الماء إلى نسبة معينة.
وتمكن المزارعون من الاستفادة من هذه العوامل مع كثرة مزارع النخيل، التي تعتبر مزارع مثالية جاهزة لزراعة البُن لتخفيف الآثار البيئية، التي تؤثر عليها كمصدات للرياح الشديدة ووقاية من أشعة الشمس المباشرة، وكذلك لترطيب الهواء الجاف مع قلة الأمطار.
شجرة البُن لا تشغل مساحات كبيرة
وأشار آل حارث إلى أنَّ شجرة البُن لا تشغل مساحات كبيرة للزراعة، فهي شجرة متوسطة الحجم يكون لها جذع رئيسي وتتفرع منه الأغصان الحاملة لورق الثمار وتزرع في مسافات متقاربة بمقدار مترين عن بعضها، وتتسع مساحة 2500م2 لأكثر من 600 شجرة بٌن، وهي من النباتات المعمرة دائمة الخضرة، وتعيش لأكثر من 40 عامًا وتزرع من البذور الناضجة السليمة ذات اللون الأحمر والحجم الكبير في تربة زراعية.
وتنبت شجرة البن في مدة 6 إلى 7 أسابيع ولا تحتاج إلى تطعيم، وبعد أن تنبت تنقل إلى مراكن حتى عمر بين 6 إلى 12 شهرًا، بعد ذلك تنقل إلى مواقعها الدائمة، وتغرس بمسافة مترين عن بعضها البعض وتروى بحسب الحاجة، وتحمى في العام الأول من أشعة الشمس والرياح بتظليلها بسعف النخيل أو الروكلين الأخضر أو الخيش حتى تكبر.
كما يفضل زراعتها في الأماكن متوسطة الظل لحمايتها من الشمس، لتغرس تحت النخيل أو أشجار الباباي "العلب".
وتحدث عن طرق زراعة البن والمحافظة عليها من الآفات الزراعية المعروفة كالعفن والحشرات القشرية، والبق الدقيقي، باستخدام المبيدات الزراعية عند الحاجة، وتسميدها كبقية أشجار الفاكهة بالسماد الطبيعي عند برودة الشتاء ليوفر لها الدفء ويكون التسميد بحسب الحاجة، ونوع التربة.
شجرة البُن تزهر مرتين في العام
كما بيّن آل حارث أن شجرة البٌن تبدأ الأزهار في العام الثاني بحسب قوة النبتة، وتعطي إنتاجها الاقتصادي في العام الرابع إذ تزهر مرتين في العام وتثمر وتكبر وتتحول للون الأحمر تدريجيًا،وتقطف الثمار الحمراء وتجفف فتتحول للون البني، ومن ثم تجمع ويستخرج منها البُن الصافي بكسر القشرة الخارجية والداخلية ونخلها بمنخل مناسب، إذ تحتوي الثمرة على فص قهوة أو فصين في الغالب.
وأكد آل حارث، أن زراعة البُن في منطقة نجران لها مستقبل واعد بشكل تجاري سيسهم إن -شاء الله تعالى- في تحقيق الأهداف المرسومة لإنتاج القهوة السعودية بالمملكة، التي تستهدف إنتاج ما يقارب 2500 طن في عام 2032، إذ تتمتع المنطقة بقيم نسبية في زراعتها من ناحية خصوبة التربة وعذوبة المياه، واتساع المساحات الزراعية، والاستفادة من مزارع النخيل لزراعة أشجار البُن في أحواضها.
كما لفت إلى أن الطلب متزايد من المزارعين بالمنطقة على شتلات البُن، إذ زرعت 50 ألف بذرة من البٌن، كما سيزرع خلال الأشهر القادمة 200 ألف بذرة، لتوزيعها على المزارعين ولزيادة أعداد أشجار البُن بمنطقة نجران خصوصًا مع النجاح الكبير لزراعتها ولمردودها الاقتصادي بوصفها منتجًا عالميًا.