في هذا المقال حاولت أن أوضح للقارئ الإجابة عن تساؤل هام حول كيف تصبح صاحب شخصية ناضجة، وما الذي يجعل الأفراد يتباينون في الشخصيات، ويختلفون في مواقفهم وردود أفعالهم وأسلوبهم الذي يتميزون به في التعامل مع الواقع، وكيفية إدراكه، ووضع الحلول لمشاكلها المعقدة من شخصية إلى أخرى؟
وتتضح الإجابة عن هذا التساؤل إذا علمنا بأن السبب الرئيسي في هذا التباين هو أن بعض الأشخاص لديهم نضج في الشخصية والبعض الآخرعنده ضعف في النضج.
ومن خلال قراءة واقعنا المعاصر نجد أن السبب الرئيسي في نضج الشخصية أو ضعف النضج هو في كيفية تعامل الأفراد مع العصر الحالي الذي وصف بمسميات كثيرة، ووصف من قِبَل علماء النفس المعاصرين بعصر القلق، والذي اتضحت فيه الكثير من الملامح والتي أثرت تأثيرًا مباشرًا على شخصية الفرد، وجعلت الكثير من الناس يكتسبون مجموعة من الصفات الانفعالية جعلتهم أكثر انفعالية تجاه أقل المواقف وأكثر عصبية في التعامل مع الآخرين، والافتقار إلى المهارة وإدارة المواقف، سواء على المستوى الأسري أو الاجتماعي، وبعبارة أخرى نستطيع أن نقول إن سلوكيات الأفراد وقدرتهم في التعبير عن المشاعر واتزانهم الانفعالي، وتولي مسؤولياتهم تختلف من شخص إلى آخر، فنجد بعض الأفراد لديهم قدرة على ضبط انفعالاتهم وترتيبهم أفكارهم، وتحمّلهم نتائج أعمالهم، واعترافهم بخطئهم، وبينما نجد البعض الآخر يُثار من أقل المواقف، فنجد الارتباك يظهر على وجوههم، وضعف الثقة سمة من سماتهم وعندهم صعوبة في التكيف مع الآخرين، ولديهم حالة من حالات التوجس والخوف من المستقبل.
وإذا نظرنا إلى التغيرات السريعة والمتلاحقة، والتي تفرضها علينا الحياة في كافة المجالات وظروف العصر الذي نعيشه والتطورات السريعة التي تشهدها الحياة بكافة مستوياتها، نجد أنها تفرض علينا التوافق السليم مع النفس البشرية، ومع الآخرين في علاقاتنا الاجتماعية، وذلك لأن الفرد في تفاعل مستمر مع البيئة المتغيَّرة التي يعيش فيها، ومن خلال تفاعله، سواء مع نفسه أو مع غيره يعبّر عن مشاعره وعواطفه؛ مما يتطلب نضجًا في التفكير يستطيع من خلاله أن يعبِّر عن مشاعره وعواطفه.
لقد أصبح الإنسان في حاجة مُلِحَّة إلى فهم شخصيته؛ لما له من آثار في واقع حياته، ولن يتسنى له ذلك إلا إذا وقف وتعرَّف على أهم سمات الشخصية الناضجة وقيمتها، وكيف يمكن أن نكوِّنها ونخصّبها لتنضج، وما الذي يعوق نموها باعتبارها أحد أبرز السمات وأهم العوامل التي تساعدنا لبناء شخصية قوية تتسم بمجموعةٍ من السمات القائمة على المبادئ والمُثل الأخلاقية العالية لا تتأثر بالمغريات، ولا تتوجّه بالعواطف، ويمكن القول إن التحول إلى النضج الكامل وحتى تصبح صاحب شخصية ناضجة، كل ما عليك أن تعمل على تحسين تركيزك في اكتشاف مجالات تساعدك على أن تدرك قوة الممارسات التي تقوم بها وتحاول بكل جهدك أن تجعلها صالحة لتعمل مردودات إيجابية تساعد على تحقيق النضوج الذي تستحقه، كذلك يجب عليك أن تحدد بوضوح عاداتك التي تعكس نضوج الشخصية حتى يظهر أثرها الحقيقي، وهذا لن يتأتى إلا من داخل النفس، وما لم يصب التغيّر الداخل الإنساني فلا أمل لنضج النفس، ورقي صاحبها والسمو به.
وخلاصة القول: نستطيع أن نقول إن بناء مقياس الشخصية الناضجة وقياس مستواها والتحوُّل إلى شخصية ناضجة واعية مدركة تمامًا ما تقوم به يُعد من أهم الأمور التي ينبغي مراعاتها باستمرار حتى إذا انحرفت عن جادة الصواب تجد الكثير من المقوّمات التي تعيدها من جديد إلى نضجها.