سواءً كنت تفضل مهارات كريستيانو رونالدو أو لمسات ميسي السحرية، فأعتقد أنك تتفق معي في أن كرة القدم اليوم أصبحت أكثر رياضة شعبية في العالم بلا منازع، وتشهد لها بذلك تلك الأرقام والإحصائيات والأموال التي تتدفق على المنظمات والهيئات والمنتخبات، وعلى اللاعبين العالميين.
والواقع أن هذه اللعبة أصبحت ظاهرة كونية على هذه المعمورة، وهي اليوم تُعتبر من القوى الناعمة (مثل: الأفلام، الصحافة، مواقع التواصل الاجتماعي) وغيرها من الوسائل المؤثرة التي يمكن أن تعكس الصورة عن أي بلد، بل هي أيضًا يمكن أن تُستخدم بفعالية لاختصار المسافات بين الشعوب والثقافات المختلفة، ويكون لها التأثير البالغ على بعضها البعض.
تاريخيًّا كانت هذه القوى الناعمة موجودة، ولكنها ليست بقوة الانتشار والتأثير كأيامنا هذه، والسبب هو التقنية الحديثة والإعلام التقليدي والجديد.
ومثال ذلك أنه حين انتقل المطرب زرياب الموصلي من العراق إلى الأندلس، كان له تأثير ليس فقط في الفن، بل في الأزياء والملابس، حيث اشتهر لباسه بين الشباب في الأندلس، كما ذُكِر أنه كان أيضًا سببًا في انتشار فن (الإتيكيت)!
واليوم حين انتقل اللاعب العالمي والمشهور جدًّا كريستيانو رونالدو إلى المملكة العربية السعودية أحدث ضجة إعلامية كبيرة على مستوى العالم، حيث إن كل وسائل الإعلام تناقلت الخبر، وهذه فائدة من القوى الناعمة في أنها تُلفت أنظار العالم إليك وإلى بلدك وثقافتك ودينك وعاداتك وتقاليدك.
ومن هنا علينا أن نحسن استغلال ذلك بأن نعطي العالم انطباعًا إيجابيا ومميزًا عنا.
قد تتفق معي في أن كرة القدم هي لعبة بحد ذاتها، ولكنها اليوم هي أكثر من ذلك، فهي تجلب معها اقتصادًا، وتحرّك إعلامًا على مستوى العالم.
أضف إلى ذلك أن كل المهتمين والمشاهدين الذين لم يكونوا من قبل يعرفون عنا، ولا عن السعودية الكثير، سوف يدفعهم الفضول وحب التعلم والاطلاع للتعرف على ثقافات مختلفة، وهنا يكمن السر في أن نتمسك بديننا الحنيف وعاداتنا وعروبتنا الأصيلة.
في الحقيقة نحن لا نريد أن نكون نسخة من ثقافة غربية أو غيرها؛ لأن النسخة المكررة ليس لها طعم ولا رائحة، ولن تُدهش الآخرين!
يقول الأديب اللبناني ميخائيل نعيمه: «وكل مَن يقلد سواه لا يكون مخلصًا لنفسه؛ لأنه يخفي حقيقته ليظهر بحقيقة سواه». بل حين نتمسّك بما نحن عليه سنُبهر الآخرين؛ لأنهم سيرون ويشاهدون ثقافة مختلفة وفكرًا آخر، ونظرة للحياة ليست مادية فقط، ولا هي نفعية بحتة (برجماتية)، بل سيجدون أن هناك متسعًا للحياة الروحية والدينية، وكذلك التمتع بالحياة بأشكالها المختلفة منها كرة القدم والثقافة والأدب والفنون، وغيرها من الوسائل الحياتية بدون أن نتخبّط أو نتصادم مع ديننا وقيمنا ومبادئنا.
العالم اليوم أصبح على بُعد ضغطة زر من الهاتف الذكي، حيث نرى الشعوب بمختلف ثقافاتهم وأفكارهم وتقاليدهم، وهذا الحدث سيجذب أنظار العالم إلينا، فهو شيء جديد بالنسبة لهم من أجل أن نمحو تلك الصورة القديمة النمطية والقاتمة عنا كعرب ومسلمين، والتي رسمها الغرب عبر عقود طويلة من خلال الأفلام والصحافة وغيرها من الوسائل.
في المستقبل ربما يأتي أيضًا لاعبون عالميون آخرون يمارسون كرة القدم في المملكة، وسوف تُنقل المباريات عبر عدة قنوات عالمية بعدة لغات متنوعة (الإنجليزية والفرنسية والإسبانية وغيرها) بمعنى سوف نكون تحت أنظار العالم ككل، ومن المهم جدًّا ألا نكون نسخة مكررة من أحد، ولا نقلد أحدًا، بل نتمسك ونفتخر بديننا وعاداتنا وتقاليدنا، وحتى لباسنا وطريقة أكلنا، وبهذا سوف يزداد احترام العالم وتقديره لنا.
القوى الناعمة حين نُحسن استخدامها تختصر علينا المسافات وتنقلنا إلى فضاءات وتأثيرات متعددة.
abdullaghannam@