استوقفني خبر عنوانه «ماليزيا تدرس وقف تصدير زيت النخيل إلى الاتحاد الأوروبي» تذكَّرت فيه زمنًا مضى، قادتني الظروف العملية فيه بأن أصبح عضوًا في أحد مجالس إدارات مصانع الزيوت النباتية. هذه التجربة لم تدُم كثيرًا بسبب الاستحواذ عليها من شركة أخرى إلا أنها فتحت ذهني لعالم جديد من الصناعات التحويلية، وهي صناعة زيت النخيل.
وقد سبق أن ألقيتُ محاضرة حول الابتكار الاقتصادي في النخيل بالمدينة المنورة منذ نحو أربع سنوات بمؤتمر علمي، وكنتُ الوحيد من القطاع الخاص، وقد ذكرت فيها أهمية الاستثمار بأشجار النخيل المنتجة لزيت النخيل كأحد أنماط الابتكار الاقتصادي؛ لرفع دخل المزارعين وزيادة الناتج القومي وتشجيع الصادرات.
وقد صرّح منذ أيام نائب رئيس الوزراء الماليزي، بأن بلاده تناقش بالتشاور مع ماليزيا مسألة إيقاف صادرات زيت النخيل إلى الاتحاد الأوروبي، ردًّا على قانون جديد لهم أصدروه في شهر ديسمبر الماضي، ينظم بيع زيت النخيل؛ بهدف حماية الغابات. ويُعدُّ الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر مستهلك لزيت النخيل في العالم.
حرب الدول الأوروبية لم تقف عند ماليزيا وإندونيسيا، فكذلك الأمر مع القارة الأفريقية، ووفقًا لتحذير «الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة»، فإن «إزالة الغابات الاستوائية من أجل مزارع زيت النخيل تهدد ما يقرب من 200 نوع من الكائنات، بما في ذلك إنسان الغاب والنمور وفيلة الغابات الأفريقية». ولتوضيح الأحداث، فإن الطلب العالي على زيت النخيل في الاستخدامات الغذائية والطبية، وكوقود حيوي أدى إلى زيادة زراعته، ولهذا الغرض أزيلت مساحات من الغابات بحرقها؛ مما أضر في التنوُّع البيولوجي والبيئي.
وشجرة زيت النخيل لها تاريخ قديم مع الاتحاد الأوروبي، أصله من أفريقيا، وكان زيتها يُستعمل للتشحيم زمن الاستعمار الغربي لأفريقيا، وتوقف بعد أن تركتها.
ولم يكن الأوروبيون يستخدمونه للأطعمة، كما مع الشعوب الأفريقية، حيث إن كان اعتمادهم الأساسي في صناعاتهم على شحم الخنزير، وعلى الزيوت المحلية، إلا أن الماليزيين وبجهود ذاتية استطاعوا إعادة زراعته بنخلة لا تطول كثيرًا من ضمن برنامج زراعي حكومي أمّن للمزارع الفسائل والمال والأرض ووسائل العصر؛ لتصبح ماليزيا في نهايته من أكبر مصدّري زيوت الطعام في العالم.
تلتها بالإنتاج جارتها إندونيسيا مستفيدة من التجربة الماليزية حتى أصبحتا تستحوذان على ما نسبته 85% من الإنتاج العالمي لزيت النخيل.
ولا يتوقف الأمر هنا، فكلتا الدولتين تتجهان إلى استخدام المزيد من زيت النخيل لإنتاج الوقود الحيوي؛ لتقليل حجم واردات النفط الخام، والوقود. وبهذا الاتجاه فقد أعلنت إندونيسيا مؤخرًا عن رفع نسبة خلط الوقود الحيوي بمنتجات البترول، اعتبارًا من يناير الحالي من نسبة 30 إلى 35%، وقد يهدد هذا التوجه بتوقف الصادرات الإندونيسية مستقبلًا، بالرغم من كِبَر حجم الصادرات لكلتا الدولتين ما قيمته34.1 مليار دولار سنويًّا من زيت النخيل.
ولا يتوقف الابتكار الاقتصادي هنا، بل يستمر، فجامعة كاوست على سبيل المثال لديها دراسات على استخدام مياه البحر لسقي النخيل، ولدي تجربة ناجحة في ذلك كبديل لمياه الآبار. ولدينا في الخُبَر، وفي العقير، وفي العديد من الصبخات بالشرقية نخيل نما معتمدًا على مياه البحر من المد.
أذكر ذلك، وحتى لا يُقال لدينا شحٌّ في المياه الجوفية لمشروع مشابه، رغم وجود مناطق بها مياه متجددة. وعلى أية حال مجالات الابتكار كثيرة، لا سيما في النخيل، وهذه أحدها، وربما إن سهَّلنا استيراد فسيل شجرة نخيل الزيت، وأعنَّا المزارعين على زراعته، أو ربما عملنا برامج خاصة له أن نتوقف من الاستيراد منه، ويصبح سمننا في دقيقنا أو كما يقول المثل.