هل تستطيع مجاراة نفسك؟ هل سبق وسابقت ظلك؟ هل في يوم من الأيام رميت شيئًا ثقيلًا في قعر المسبح وتحديت نفسك في أن تغوص وتلتقطه؟ هل حبست أنفاسك لمدة حددتها ثم بالتناوب زدت مدتها؟
هل جرَّبت أن تلتزم بحمية غذائية رغم أنك غير مضطر لها؟ هل منعت نفسك عن تناول فاكهة تحبها أو طبق تعشق مذاقه أو تناول المثلجات أو الحلويات لمدة معينة، ونجحت في القيد الذي فرضته على نفسك؟ هل قررت الامتناع عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كلها دون استثناء، واكتفيت بالمكالمات الهاتفية ومتابعة البريد الإلكتروني الخاص بالعمل، ونجحت في تطبيق قرارك؟ هل وضعت لنفسك يومًا ما برنامجًا رياضيًّا لأكثر من ثلاثة شهور علمًا بأنك لا تمارس الرياضة والتزمت بالجدول؟
كل تلك الأسئلة تملك إجابتها أنت بنعَم أو لا، بلم أفكر في ذلك من قبل أو نعم فكّرت بشيء منها ونجحت أو أخفقت، كل تلك الأسئلة طرحتها عليك من أجل أمر ما - ومع طرحي لك ابتسمت أحيانًا لأنني فعلت ذلك ونجحت، وقطبت جبيني أحيانًا؛ لأنني إما لم أكمل المدة أو لأنني فشلت في ذاك الأمر - هو استدراجك لسؤال يقودك جوابه لإجابة كل تلك الأسئلة، وهو هل تستطيع نفسك مجاراتك؟
النفس متجوّل جميل تعيش داخل أجسادنا، تشبه كثيرًا سائلًا داخل قنينة اتخذ شكلها، ومهما غيَّرت القالب سيتخذ السائل شكله دون تردد، وهي تحب أن تعاملها بلطف، ولكن بحزم، وتتوق لأن تدفعها إلى أقصى حدودها، وفي نفس الوقت ترأف بها، تتطلع لأن تكافئها، وتحب أن تتحداها، ومن أجمل تحدياتي مع نفسي إضافة لما سبق أنني جعلتها تصوم عن الحديث بكل أنواعه المنطوق والمكتوب لمدة 3 أيام، ولقد كان في ذلك برٌّ كثيرٌ لذاتي، وصدقًا حاولت أن أكرر التجربة لكنني أخفقت.
والآن سأعود للسؤال الأول في بداية المقال، هل تستطيع مجاراة نفسك؟ النفس كما شبّهتها قبل حين كسائل، إن لم تجد لها حدودًا تشكّلها ستتبعثر، وستكوّن شكلًا حسب هواها، أحيانا ستعرف أن تسمي هيئته، وأحيانا ستلتبس عليك التسميات، هي مفطورة على أن تُقاد من قبل العقل أو القلب أو من كليهما حسب المواقف، ولكن أن تترك لتتخذ القرارات دون أن تقودها عمليات العقل من تفكير وتحليل واحتساب المخاطر دون أن تستفتي قلبها ومشاعرها، وما يترتب عليها من التبصر في مآل الأمور، ثم نضرب مثلًا ليؤيد إمكانياتها في القيادة، فنقول «النفس هواها» فذلك أظنه ضياعًا، بين سؤال «هل تستطيع نفسك مجاراتك» وبين «هل تستطيع مجاراة نفسك»، اختلافات كثيرة تدعوك للتفكير.
* رسالة في قنينة
تهيَّأ لأن تستضيف نفسك بحوار لطيف.