يحلم البعض باللحظة التي يستطيع فيها اتخاذ قراره بالتقاعد المبكر، حين يستطيع تقديم طلب ترك العمل، ويتفرغ لحياة هادئة ينعم فيها بالهدوء والسعادة. فترك العمل من أجل الاستمتاع بالتنزه وتخصيص أغلب الوقت للاسترخاء، هو حلم يرواد الكثيرين، مع تخيل مدى بساطة تلك الحياة وخلوها من المسؤوليات التي تثقل الكاهلين وتتعب العقل في التفكير.
قد تبدو تلك نسخة جميلة من الحياة، ينعم الشخص بتحقيقها، لكن على العكس من ذلك وإذا اتخذنا طريقًا علميًا للتفكير في التقاعد المبكر، فإن أضراره تفوق بكثير منافعه، إذ ثبت أن ترك العمل في غير أوانه يزيد من خطر إصابة الشخص بالخرف، غير ما يضيفه عليه من أعباء مالية منهكة.
التقاعد المبكر يصيب بالخرف
قد يصاب الشخص الذي قرر إحالة نفسه للتقاعد المبكر بأمراض نفسية وعضوية في وقت ما بعد إتمام تقاعده، ومن بينها يأتي الخرف، الذي يستهدف الأشخاص الذين يتركون أعمالهم وهم قادرون على الاستمرار فيها.
ووفق ما تنقله "ديلي ميل" عن دراسة علمية صينية، نشرت في مجلة السلوك الاقتصادي والتنظيم، فإن من يترك العمل في أواخر الخمسينات من عمره وحتى الستين يكون معرضًا بشكل أكبر للإصابة بتدهور إدراكي عن أقرانه ممن يكملون أعمالهم.
وبحسب الدكتورة فيرنا آر بورتر، مديرة برامج الخرف وألزهايمر في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي، فإن عقولنا تعمل بطريقة استخدما أو اخسرها، ما يعني أن إهمال عمل أي جزء من خلايا المخ ينتهي بتدهوره وفقدانه لوظيفته.
وبالطبع نستخدم عدة أجزاء من مخنا خلال العمل فمع التوقف عنه تتعرض تلك الأجزاء للتعطل مصيبة الشخص بالخرف في نهاية المطاف.
كيفية الوقاية من الخرف بعد التقاعد المبكر
في حال أصر الشخص على قراره بالتقاعد المبكر فإنه يمكن أن يقي نفسه الوصول لتلك الحالة –الإصابة بالخرف- باتباع نصيحة يقدمها بلامين نيكولوف، أستاذ الاقتصاد المساعد في جامعة بينغهامتون، وهي المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، مع الالتزام بشغل الوقت بالقراءة أو أي نشاط مفيد.
كما يجب على من يفضل ترك العمل مبكرًا، أن يخطط للحظة التي ينفذ فيها قراره ذلك، بوضع تصور لتدبير حياته اللاحقة للتقاعد، وفق ما ينصح به كليفورد سيجسل، طبيب الأعصاب في مركز بروفيدنس سانت جون الصحي وينقله عنه "هيلث لاين".
ويجب أن تتضمن تلك الخطة الاشتراك في أعمال تشغل الشخص، مثل السفر بغرض استكشاف ثقافات جديدة أو استكمال التعليم، لكن أن يتقاعد الشخص للتنزه والاستلقاء دون إعمال المخ، فهذا سينتهي حتمًا بالإصابة بالخرف.
التقاعد المبكر خطأ مالي
يقول لورنس جيه. كوتليكوف الخبير الاقتصادي عن التقاعد المبكر أنه أحد أكبر الأخطاء المالية التي سيندم عليها الشخص حال قرر تنفيذها، ويرجع السبب في ذلك إلى قلة الحصيلة المالية التي يدخرها الموظفون خلال حياتهم، فعندما يقررون التقاعد لا يكون لديهم من المال ما يكفي لسد احتياجاتهم المتنامية مع كبر سنهم.
ولا ينطبق ذلك على من خطط مسبقًا لتقاعده ووفر مصدر دخل مناسب له يكفي حاجته حال قرر التقاعد المبكر.
يوضح موتليكوف أن البشر يميلون غالبًا إلى التفكير قصير المدى، وفي حالة الرغبة في اتخاذ قرار بالتقاعد من العمل قبل الأوان، فإننا لا نفضل التفكير في كيفية قضاء الباقي من عمرنا بالمعاش الذي في غالب يكون غير كاف.
وتكون تلك مشكلة حقيقية في حال طال عمر الشخص عن متوسط ما يعيشه البشر، فإن وصل إلى الـ100 عام مثلًا ستكون حياته بالغة الصعوبة مع قليل من المال.
لذا يقرر أستاذ علم الاقتصاد أن الأفضل هو الاستمرار في العمل لأبعد ما يستطيع الفرد الوصول إليه خلال عمره، وعدم التفكير في التقاعد طالما كان الشخص قادرًا على الإنتاج والعطاء.