يربي بعض الآباء ابنًا طمّاعًا جشعًا بحجة أنه يربّيه على التجارة والمحافظة على الريال، فيشجعه على بيع كل شيء على كل مَن يعرف حتى أخيه!
ويخرّج بعض الآباء ابنًا معقدًا بحجة أنه يربيه على المرجلة!
ويخرّج بعض الآباء ابنًا شكاكًا حقودًا بحجة أنه يربيه على فهم الحياة، وإن لم يكن ذئبًا أكلته الذئاب!
للآباء الذين يهربون من الدلال فيقعون في نقيضه، أسوق قصة لسابق من سابقيهم ذكرها ابن حجة الحموي في كتابه ثمرات الأوراق في المحاضرات تقول: قال رجل لأولاده: اشتروا لي لحمًا فاشتروه، فأمر بطبخه فلما استوى أكله جميعه حتى لم يبقَ في يده إلا عظمة، وعيون أولاده ترمقه، فقال: ما أعطي أحد منكم هذه العظمة حتى يُحسن وصف أكلها، فقال ولده الأكبر: أمشمشها يا أبت وأمصّها حتى لا أدع للذر فيها مقيلًا، قال: لست بصاحبها، فقال الأوسط: ألوكها يا أبتِ وألحسها حتى لا يدري أحد ألعامٍ هي أم لعامين، قال: لستُ بصاحبها، فقال الأصغر: يا أبتِ أمصّها، ثم أدقها وأسفّها سفًّا، قال: إنك صاحبها، وهي لك زادك الله معرفةً وحزمًا.
تربية الأولاد على مهارات العمل والحياة وتقدير المال ضرورية، ولابد منها لمَن أراد القيام بمسؤولياته التربوية، وتخريج أبناء يستمر عطاؤهم له حتى بعد رحيله، ولكن يجب ألا تغيب القِيَم، ولا نصل لمرحلة المشمشة، ولا اللوك ولا المص، ونحن نظن أننا نربي أبناء جادين، بل علينا أن نوازن بين تنمية المهارات وبناء القيم، وكلاهما مساران مكمّلان لبعضهما ولا غنى للإنسان عن أي منهما.
التربية مهمة ليست سهلة، وهي تعمل في مرحلة دقيقة وحساسة لدى الابن، ولذلك فهي تحتاج إلى ذكاء وفطنة وصبر، وقبل ذلك توفيق من الله، والبحث عن الأساليب التربوية الصحيحة عند أهل التجربة والخبرة، وليس من خلال المحاولة والخطأ، بحيث يجرب، فإن أصابت استمر، وإن كانت الوسيلة خطأ عدّلها، فهذه الطريقة قد تصلح مع غير البشر، لكن مع البشر بعض التجارب الخاطئة آثارها قاتلة، ولا يمكن تعديلها، كما أن العلوم تطورت والاستشارة التربوية أصبحت فنًّا له أساتذته والمتمكنون منه.
التربية على الدلال تدمير للصغير، وأيضًا التربية بالشدة وقفز المراحل مدمرة في الحاضر والمستقبل.
@shlash2020