إن بعض الغربيين يفهمون حرية القول أو الفعل بشكل غريب وعجيب، بل أحيانا بشكل دنيء، فمنهم مَن يعتقد أن الإساءة للآخرين مثل الرموز الدينية أو الكتب السماوية أو الأنبياء هي حرية رأي.
وأعتقد أن ذلك عمل غبي، ولا يفعله عاقل يعي ما يقوم به؛ لأنه ليس هناك أي مصلحة فكرية أو عملية في بعض الأفعال الاستفزازية كالذي أقدم على حرق القرآن الكريم مؤخرًا في إحدى الدول الأوروبية. فهذه الأعمال ليست منطقية ولا فكرية، ولا حتى تمت للإنسانية ولا الحرية في شيء.
إنه من النضج في حرية التعبير أن تستخدم عقلك في النقد أو التساؤلات المنطقية لما تراه من وجهة نظرك أنه غير صائب أو غير مفهوم بالنسبة لك، وتريد معرفة الحق أو تبحث عن الحقيقة، هذا جزء مهم من مفهوم حرية الرأي، هو البحث عن الحق أو الخير أو الجمال أو غيرها من المحاولات لفهم وجهة نظر الطرف الآخر.
وأما حرق كتب مقدسة أو التلفظ على الرموز الدينية أو رسومات قذرة، فهذا ليس من الديمقراطية أو الحرية التي يزخرفون ويزعمون. الحرية في الرأي أن تقول أو تفعل ما تريد في أدب واحترام للآخرين ومعتقداتهم وأفكارهم، وأما حرق القرآن العظيم فذلك عمل بربري وهمجي يعود بنا إلى أيام العصور الأوروبية الوسطى المظلمة.
علاوة على ما سبق، ما الذي سيستفيده مَن يقوم بمثل هذه الأعمال الدنيئة؟! هي فقط إثارة لمشاعر الآخرين، والذين يبلغون مئات الملايين من المسلمين حول العالم. فهل هذه الأعمال سوف تغيّر معتقداتهم أو طريقة تفكيريهم؟! بل على العكس سوف تؤجج الصراع أكثر، وتخلق جوًّا سوداويًّا، وستحث على العنف وزيادة الكراهية والغضب. والحقيقة أن التطرف يولد التطرف!
إن مَن يقوم بهذه الأعمال الوقحة قلة وشواذ، ولكن على المجتمعات الغربية أن تُسن قوانين في احترام الأديان والرموز الدينية والكتب المقدسة. بالإضافة إلى أن الذي يُريد أن ينتقد أو يتساءل فعليه أن يتكلم بالعقل، ويحاور بالمنطق للوصول إلى الحق والحقيقة. وهذا هو المنهج القويم والصحيح، والله «سبحانه وتعالى» يقول: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».
تجدر الإشارة إلى أن مثل هذه الأعمال المشينة ينبغي أن نحرص على عدم نشرها أو تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن مثل هذا يكون مريضًا نفسيًّا أو فكريًّا، ويبحث عن الشهرة والانتشار، وعلينا أن نساهم في عدم انتشارها أو تناقلها بأي وسيلة. ولابد من القول إن أمثال هؤلاء الأشخاص سوف يظهرون اليوم وغدًا وبعد غد، ولذلك لابد أن يكون هناك تجريم وعقوبة قانونية حتى يعي الناس معنى الاحترام والأدب في النقاش أو الطرح أو النقد، ولكن يصدق في مثل هؤلاء قول القائل: القافلة تسير والكلاب تنبح!
والجدير بالذكر أن العاقل إذا أخطأ فإنه يعتذر ويعترف بما اقترف، وعندما أخطأ الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير في حق الإسلام والرسول «عليه الصلاة والسلام» والقرآن الكريم في إحدى مسرحياته، عاد ورجع واعتذر واعترف بمكانة وفضل الإسلام والرسول «عليه الصلاة والسلام» في كتابين مختلفين.
وفوق ذلك نحن لا نريد أو نبحث عن تزكية واعتراف منهم بفضل القرآن الكريم، وعظمة الإسلام، فنحن نعلم أن القرآن الكريم هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن على عقلاء الغرب أن يفكروا جيدًا، ومن جديد في مفهوم حرية التعبير؛ لأنها أصبحت شمّاعة لقلة الأدب، والوقاحة في احترام الأديان والكتب السماوية والأنبياء «عليهم الصلاة والسلام».
هناك بون شاسع بين التعبير عن الرأي بفكر واحترام، وبين الفعل والقول المشين والدنيء!!
abdullaghannam@