اختيار اللباس لكل شخص، والصورة التي يظهر بها أمام الناس حق مشروع له، طالما أن اختياراته لا تشذ عن المألوف، وتعطي انطباعًا عن حقيقته، بل إن ملابس الأشخاص واختياراتهم تسهم في ملاحظة الفروق فيما بينهم، وتساعد على فهم وتحسين الأداء والنفسية، وهي عالم كبير يختصر الكثير من المسافات ويشرح الكثير من الألغاز؛ لكنها قد تكون أداة للهروب من واقع الشخصية التي يمتلكها الإنسان، واللجوء لشخصية أخرى إما قصدًا أو بدون قصد، كما أن احترام ما يرتديه الإنسان وتمثيله بالشكل الصحيح من مميزات الشخصية السوية، فمَن يرتدي رداء الرقص، ليس كمن يرتدي هندام النُّسّاك وأهل الدين، فلكل هوية ما يمثلها دون أن يحتاج اللسان أن ينطق!!
ومَن يخالف المألوف فهو غير سويّ، أو أن لديه مآرب أخرى من ذلك الانفصام في الشخصية، فمَن يتخفّى باللباس العسكري ليرتكب الجرائم دون احترام لهذه البدلة، وهذا الزي النظيف، ومن تتخفى بالنقاب لتتراقص وتتمايل وتنشر مقاطعها حتى لا يعرفها أحد، هؤلاء يعانون من عِللٍ نفسية وعاهات تحتاج لجلسات علاجية، وتفاجئنا وسائل التواصل بين الفينة والأخرى بأمثال هؤلاء المتخفين الذين لجأوا للأقنعة، لا إيمانًا بها كرسالة للفضيلة والستر، ولكن ليتحرروا من معرفة الآخرين لهم، والحقيقة أن المنظر منفّر وغير مستساغ، وقد شاهدت مقطعًا لفتاة وقد أشعلت نمط الهزاز، على أنغام إحدى الأغاني، فيما ظهرت عيناها الكحيلتان! وهي تقلبهما ذات اليمين وذات الشمال بنظراتٍ متوافقةٍ مع كلمات الحب والرومانسية التي جاءت بها تلك الأغنية، ولا ضير لو أنها أخرجت ذلك المشهد في غرفتها وجدرانها الأربعة واستمتعت ورقصت دون أن «تغثنا» بذلك الانفصام والمنظر العجيب.
و«المغثة» التي تهجم علينا هجومًا كاسحًا هذه الأيام كثيرة وكبيرة فالشباب أصحاب الأناقة «الأوفر»، والتي غطت على أناقة البنات، وسرقت كل ما لديهن من أنوثة وألوان ومتعلقات شيء غريب، بل إن الغريب ليس بالألوان والإكسسوارات والحقائب؛ لأن التمايل والكريمات ومخاطبة البنات، وأمام أحدهن علبة ماسك الوجه «لا تنسوا تحطون الماسك قبل النوم»، أصبحت أمرًا عاديًّا لدرجة بدأنا نشك في ذواتنا، هل نحن الغرباء عن هذا العالم.. أم هم؟
ولأن لكل منتج هوية بصرية وعلامة تجارية تميّزها عن غيرها تحتوي على عناصر متعددة مثل تصميم الشعار والخطوط والصور والألوان، وأي عنصر يساهم في نقل رسالة العلامة التجارية، وبالرغم من أن الإنسان ليس جمادًا يحتاج لهذا، لكنه لن يكون ناطقًا في كل حين شارحًا عن نفسه وانتمائه ووطنه، فهو بهويته يختصر الكثير من الكلمات والجُمل.
ويعتبر الهندوس من أكثر الشعوب احتفاءً بملابسهم واحترامًا لها، ففي دول الشرق والغرب يتزينون بعمائمهم التي تشكل لهم رمزًا قوميا ودينيا، لا يساومون فيه، وقد رفع ناشط هندوسي دعوى في إحدى المحاكم الهندية ضد حفل زفاف عارضة الأزياء «البريطانية» ليز هيرلي، ورجل الأعمال الهندي أرون نيايار، أفاد في دعواه بأن الحفل انطوى على استهزاء بعادات الهندوس، حيث انتهك الحفل عددًا من العادات والمعتقدات الهندوسية من بينها الملابس الفاضحة التي كانت ترتديها العروس «البريطانية» وعدم قيامها بخلع حذائها وهي أمام النار المقدسة أثناء مراسم الحفل، وتستند الشكوى إلى مادة بقانون العقوبات الهندي تتعلق بحالات تعمّد إثارة مشاعر الهندوس عن طريق إهانة معتقداتهم الدينية والشعائرية.