احترت وأنا أعد مادة لهذا المقال كيف أضع عنوانا لها؟ فهل زائرنا لشرقيتنا ومدنها كان جاسوسا أم زائرا مهنيا أراد جمع مادة علمية صرفة فقط أو ربما جمع الاثنين. وبأية حال هو كان كذلك وصاحبنا هو «جون جوب» جغرافي بريطاني عمل مع الجيش البريطاني في الهند كضابط في مكتب إداري في بومباي متخصص في وضع خرائط جغرافية دقيقة. رحلته ليست معروفة للكثير وحتى للعديد من المؤرخين. وربما لأنه لم يزر أحدا في رحلته القصيرة ولم يكن مكلفا بمهمة سياسية ولم يكتب كتبا فلم يلفت الأنظار له. أو ربما لم يرد رؤساؤه معرفة الناس عن زيارته لأغراضها السرية وفي كل الأحوال أنجز مهمته تاركا لنا تقريرا في أروقة المكتبات البريطانية وللتاريخ وصفا دقيقا لطرق القوافل القديمة ومحطاته والمدن التي زارها في تلك السنوات البعيدة.
جاءت رحلة الضابط جوب في شهر نوفمبر من عام 1822 م وصل فيها إلى ميناء العقير ثم سار إلى الأحساء زار فيها عددا من مناطقها، ثم ذهب إلى القطيف واصفا الطريق إليها لينهي رحلته فيها عائدا إلى الهند. في تلك السنوات كان البريطانيون في بدايات الصراع على السيادة بالمنطقة ابتداء من مسقط في عمان، وكانت قارة الهند هي التاج البريطاني المرصع بالأحجار الكريمة ومنجم الذهب في تلك الدولة التي لم تغب عنها الشمس. وكان العثمانيون بتلك السنوات البعيدة مهيمنين على كل المنطقة العربية وفي صراع غير مباشر مع بريطانيا على السيادة في البحر الأبيض المتوسط ومناطق الاحتلال العثماني لا سيما في الساحل الشرقي للجزيرة العربية.
ولانطباع أكثر عما كتب ومشاهداته، ففي أول محطة له وهي ميناء العقير ذكر «من العقير إلى حفر المياه؛ المسافة التي قطعت على الإبل أربع ساعات ونصف الساعة. العقير عبارة عن حصن مربع صغير، يقع على بُعد بضع ياردات من البحر، عند نهاية جدول طويل أو خليج. لا توجد منازل أو مبان أخرى في العقير، يوجد في هذا المكان حاكم أو جامع جمارك، مع خمسة عشر أو عشرين رجلا. يمكن الحصول على المياه الصالحة للشرب على مسافة قصيرة من الحصن، من على حفر الرمل، فور مغادرة العقير تدخل الصحراء بشدة رمالها، أول ثلاثة أو أربعة أميال رمال ثقيلة جدًا، توجد أرضية متموجة على طول الطريق إلى حفر الماء، حيث توقفنا لمدة ساعة».
تبع ذهابه من العقير وصف كامل لمحطات سيره إلى أن وصل إلى الهفوف. ومما ذكر عنها «الهفوف هي عاصمة الأحساء وهي مدينة واسعة النطاق. إنها محاطة بجدار خارجي، ارتفاعه سبعة أو ثمانية أقدام، وبسماكة واحد أو اثنين، مع عدة أبراج على فترات. عند دخولك إلى الجانب الشرقي من المدينة، مرورا بالضواحي تمر بشوارع ضيقة للغاية، تصل بعدها بعد مسافة قصيرة إلى الحصن». ويكمل جوب وصفة عن الهفوف في تقريره ثم تحدث عن زيارته للمبرز وجبل قارة وعين نجم. ومما ذكر مروره على مناطق الأحساء الأخرى كالكلابية والجشة والمنيزلة، ثم ما لبث أن رحل متجها إلى القطيف واصفا مسار الطريق.
مما وجدت من الاضطرابات في تقريره أنه لم يذكر شيئا عن القطيف عندما وصلها، وكذلك أخطأ في ذكر المسافات والمحطات إليها وكأنه لم يسلك الطريق بنفسه. ومما ذكر أيضًا في تقريره جلب المياه قبل الوصول إلى العقير للأعداد من الجنود الكثيرة، وأيضا عن بعض الطرق والتي يصعب استخدامها لجلب المدافع. ذلك يعطينا الانطباع أنه في وقت ما فكر البريطانيون بالدخول في حرب مباشرة ضد العثمانيين للسيادة بالمنطقة. ومما نقول أن الحمد لله أن كفانا شر الاثنين وأدام لنا نعمة الأمن والأمان ودولتنا الرشيدة.