صدرت الموافقة الرسمية على أن يكون عام (2023م) هو (عام الشعر العربي)، وقد قيل عنه إنه «ديوان العرب». وكلمة ديوان تعني سجلًّا أو كتابًا، والمقصود أنه كان وما زال يخلد الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهو أيضًا يكشف ما يختلج في صدور الشعراء بالتصريح تارة، وبالتلميح تارة أخرى. والتاريخ علَّمنا أن بيتًا واحدًا من الشعر قد يتسبب في مقتل صاحبه أو في نشوب صراعات طاحنة طويلة الأمد. الشعر كان يومًا كمواقع التواصل الاجتماعي اليوم.
والكلام على وجه العموم، إما منظومًا أو منثورًا. وعميد الأدب العربي طه حسين قال: «فتقسيم الكلام إلى شعر ونثر لا يكفي، بل يجب أن يقسّم الكلام إلى شعر وخطابة وكتابة». ولكن من جميل ما قاله: «ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثرًا، كما أنه ليس شعرًا، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يسمّى بغير هذا الاسم».
وحديثنا اليوم هو عن الكلام المنظوم وهو الشعر. وقد اختلفوا في أيهما أفضل، الكلام المنثور أو المنظوم، والواقع أن التأثير على المستمع هو المقصد الأهم.
وتوجد عدة تعاريف للشعر، منها أنه الكلام الموزون والمقفّى، ويدل على معنى، (أي أنه ليس مجرد كلام وهذر لا معنى له)، وأن يكون أكثر من بيت. وابن خلدون على سبيل المثال عرَّفه بأنه: «هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصّل بأجزاء متفقة في الوزن والروي، مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به».
تجدر الإشارة إلى أنه كان وما زال الجدل كبيرًا في هل لابد أن نتمسّك بالقافية والوزن (التفعيلة) في الشعر؟! وهذه المسألة قد طال النقاش والحديث عنها قديمًا وحديثًا. والبعض يقسّمه إلى الشعر العمودي، وهو أصل الشعر، حيث الشطر الأول يسمى صدر البيت، والشطر الثاني يسمى العجز مع الالتزام بالوزن والقافية، وهذا الأصل الذي جرت عليه العرب منذ نشأة الشعر. والنوع الثاني هو الشعر الحر الذي لا يتقيّد بعدد معيّن من التفعيلات، ولا يلتزم بالقافية، بل هو تكرار لتفعيلة عدة مرات. وهناك أيضًا شعر الرباعيات، والذي يتألف من أربعة أبيات. والشعر المرسل، وهو شعر موزون دون قافية محددة.
وأما الذي يسمّى بالشعر المنثور، فلا توجد فيه قافية ولا وزن ولا تفعيلة!!. وهذا النوع من الشعر لا أعتقد أنه ينزل منزلة الشعر؛ لأنه كلام منثور، وليس منظومًا. فميزة الشعر هي النظم مع الموسيقى الطبيعية التي تشعر بوقعها على أذن السامع، ما عدا ذلك فهو كلام منثور. ولو قلنا إن الكلام المنثور هو شعر لاختلط الحابل بالنابل، ولن نعرف مَن هو الشاعر من غيره، حيث سيصبح كل الناس شعراء؛ لأنهم في الأصل يتحدثون الكلام المنثور!!. وأذكر مما قرأت منذ زمن أن عباس محمود العقاد عُرض عليه كلام يزعم صاحبه أنه شعر، (وكان العقاد في لجنة المراجعة) فأحال الورقة إلى قسم النثر؛ لأنه لم يكن كلامًا منظومًا!
وعلاوة على ما ذكرنا، فالشعر له دوافع وأغراض عدة، منها المدح، الهجاء، الرثاء، الحكمة، الغزل، الفخر والحماسة الوصف، اللهو، الزهد، وغيرها من المسميات والأغراض.
وللمعلومية والفائدة، فبحور الشعر هي مجموعة من التفعيلات والأوزان، وعددها (16) والذي صنَّفها هو الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري.
ومن طريف ما قرأتُ حول هذا الموضوع أنه (الفراهيدي) دخل يومًا إلى حارة الحدادين فسمع أصوات مطارقهم، وكانت لها نغمة وإيقاع، ومنها قفزت إلى رأسه فكرة التفعيلة والوزن (البحور) على شكل موسيقى في الطرق.
إن الشاعر الحقيقي هو الذي يتميّز بسهولة إنشائه للكلام الموزون والمقفى؛ لأنها موهبة وسليقة، وغير ذلك تعسف في تعسف!!
abdullaghannam@