اشتهر القطاع غير الربحي الذي يُطلق عليه البعض القطاع الثالث باسم القطاع الخيري، ولعل ذلك بسبب الطابع الذي كان سائدًا وما زال، وهو تقديم المساعدات النقدية والعينية المباشرة للفئات المحتاجة قبل أن يبدأ التحوُّل بهذا القطاع عالميًّا ومحليًّا نحو التنمية الاجتماعية بديلًا للمساعدات الرعوية التي رُصدت لها الكثير من السلبيات، ليس أقلها بقاء المستفيدين في دائرة الفقر والحاجة والاعتياد على تلقي المساعدات المباشرة دون محاولة للخروج من هذه الدائرة، بل إن نفس الحال انتقل في كثير من الحالات إلى الجيلَين الثاني والثالث من هذه الأسر بما يرافق ذلك من انعكاسات نفسية واجتماعية واقتصادية سيئة للغاية، وازدياد هذه الحالات مع تزايد السكان، وزيادة متطلبات الحياة المعاصرة، وفقدان هذه الفئات إلى أدنى المقوّمات التي تجعلها تعيش حياة مستقرة، وتوفر لأبنائها مستقبلًا أفضل، ولذلك فقد توصّلت الدراسات والأبحاث إلى أن التحوّل التنموي بهذه الأسر هو الحل الأمثل، حيث إن هذا التحوّل يقوم على حصر القدرات البشرية المتوافرة من أبناء وفتيات هذه الأسر، والعمل على تحويلهم إلى أفراد منتجين يساهمون في توفير مصدر العيش الكريم لهم ولأسرهم، والخروج بها من الحاجة إلى الاكتفاء، وذلك بتعهّد هذه القدرات بالتعليم والتدريب وتأهيلها للالتحاق بسوق العمل في وظائف تُناسب قدراتهم وإمكانياتهم، وهو تحوُّل تتأكد يومًا بعد يوم آثاره الإيجابية، ليس على الأحوال الاقتصادية لهذه الأسر فقط، بل على النواحي النفسية والاجتماعية، وكذلك انعكاساته على المجتمعات اجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا أيضًا، خاصةً أن برامج التدريب والتأهيل هذه تتزامن معها جهود تبذلها الجمعيات غير الربحية في توفير السكن المناسب لهذه الأسر، والذي تطورت برامجه ومشاريعه في بلادنا وصولًا إلى وجود العديد من المشاريع التي توفر المساكن بشروط ميسّرة، ومنها مشاريع الإسكان التنموي التي تنفذها وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ومؤسسات الإسكان التنموي الأهلية، والعديد من الجهات الأخرى مثل مشروع الملك سلمان للإسكان الخيري، ومشروع الملك عبدالله لوالديه للإسكان التنموي، وغير ذلك من المشاريع الإسكانية، وإلى جانب ذلك تم عقد العديد من الشراكات بين الجمعيات الأهلية، والقطاع الخاص؛ لإعطاء الأولوية لأبناء الأسر المحتاجة المؤهّلين لإشغال الوظائف المتاحة، كما ساهمت الجامعات والكليات ومعاهد التدريب التقني والمهني في تدريب هؤلاء، وكذلك الصناديق التنموية في تقديم القروض الصغرى الميسَّرة لمَن لا يجدون الوظائف، خاصة من الفتيات لتتحوّل إلى أسر منتجة من المنازل أو إقامة مشاريعها الإنتاجية الصغيرة التي توفر للأسر دخلًا يساعدها على الحياة الكريمة.
كل هذه الجهود ساهمت وما زالت في إنجاز خطوات ملموسة على طريق التحوُّل التنموي الذي نتطلع إليه جميعًا.. غير أن الطريق ما زال، وما زالت الحاجة قائمة للمزيد من الخطوات؛ ليأخذ عمل منظمات القطاع غير الربحي الطابع التنموي الشامل بديلًا للرعوية بعيوبها وسلبياتها، وذلك بتكاتف جميع القطاعات ضمن المسؤولية الاجتماعية والوطنية والإنسانية لتحقيق هذا الهدف.