بين مقالة تركي السديري في صحيفة الرياض بعنوان «غاب زارع الورد» في رثاء طلال مداح، غداة وفاته في 11 أغسطس عام 2000، و«ليلة صوت الأرض» التي نظمتها الهيئة العامة للترفيه، الأسبوع الماضي، أكثر من 22 عامًا، غاب فيها طلال مداح «يرحمه الله» عن دنيانا، لكن صوته وإرثه لم يغيبا.
وبعد أسابيع قليلة من فاجعة رحيله على مسرح المفتاحة، كنتُ أبدأ السنة الأولى لدراستي الجامعية للأدب الإنجليزي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، حين أشار أستاذ الأدب مختار شودري وهو يحلل الصور البلاغية لإحدى القصائد بأنه «لا شيء يبقى أكثر من الفن». وكأنه يقرأ مسبقًا مشهد جمهور شاب في الرياض لم يعرف طلال حيًّا، لكنه ملأ مسرح «ليلة صوت الأرض» متفاعلًا ومرددًا أغانيه التي بقيت بعده.
رئيس تحرير صحيفة الرياض الراحل تركي السديري «يرحمه الله» كتب مقالة رائعة حينها عن أثر أغنية «زارع الورد» التي غنّاها طلال في العام 1960 على تشكيل ذائقة مجتمع كامل على الورد، رغم ارتباط ثقافته بالنخل والأثل، حتى خُيِّل إليه في طفولته أنه سيجد مدينة طلال «جدة»، غابة خضراء حين يزورها.
فالأغنية التي تصدح في الإذاعة وتُعاد باستمرار، تُعدّ التدشين الرسمي للأغنية السعودية، وصاحب صوتها «كان امتدادًا أصيلًا لروعة ذوق الحجاز الفني الذي احتوى الرصيد الأول لفنون الجزيرة العربية».
وبعد السديري بأسبوع، استطرد الكاتب في ذات الصحيفة الدكتور خالد الدخيل في 18 أغسطس عام 2000، أي بعد أسبوع واحد من وفاة طلال، في تحليل «زارع الورد» لافتًا إلى أن طلال احتل مساحة من عمر الوطن امتدت 40 عامًا، وهو مع عبدالله محمد وطارق عبدالحكيم، أحد الرواد الثلاثة الذين نقلوا الأغنية السعودية من الفلكلور الشعبي إلى الأغنية الحديثة.
وكانت «ليلة صوت الأرض» تليق بطلال، وبإرثه الذي لا يزال مادة دسمة للجمع والتحليل والقراءة والدراسة الموضوعية، والإنتاج الدرامي والسينمائي.
@woahmed1