كنتُ أظن أن مصطلح الخوف، وتكرار كلمة «أخاف» في حديثنا اليومي آتٍ من كون اللغة العربية الدارجة منها والفصحى كان أهلها يعيشون في بيئة خوف وترقّب. قصدي في أسفارهم وتنقلاتهم وحتى إقامتهم.
فنسمعُ «أخاف» حتى ولو لم يكن الأمر يدعو إلى الخوف، مثل: أخاف ما ألقاه، أخاف يتأخّر، أخشى يكون مسافرا، أخاف تنسى، إلى كثير من أمثال ترد فيها المفردة من غير ضرورة ولا داع.
وبعد أن هززتُ ذاكرتي قليلا انتبهتُ أن مفردة «أخاف» تلك، موجودة في أحاديث اللغة الإنجليزية كتابة وحديثا، فمثلا إذا حضرتَ إلى طاولة أو مكتب استقبال وسألت المسؤول: ليس لديّ موعد مسبق، لكنني أرغب مقابلة الطبيب، فهل يمكنني ذلك.. حتى لو انتظرت بعض الشيء؟ فإذا كانت المواعيد كثيرة فسوف تسمع: أخشى أن هذا غير ممكن، أو (I am afraid not) والكلمة هنا تأتي نوعا من التأسف لكنها «خوف» أو:
I am afraid I can›t go with you.
بما يعني: خوفي من عدم استطاعتي الذهاب معك.
لماذا الخوف؟ هذا هو السؤال.
ومرة شاركني قارئ كريم في تتبع الألفاظ المتكررة في اللغة العربية المحكية فاتفقنا أن لفظ الجلالة (الله) يتكرر كثيرا، ويكثّر الناس من أداء القسم لغير ضرورة. فإذا سألتهُ مثلا: لم نرك في دعوة فلان، أو مناسبة زواج فلان. يقول «والله» كنت مشغولا. ولا يقول لك بلغة الواثق: كنت مشغولا.. وكفى وكأنه يرى فيك أنك لن تُصدّقهُ إلا بحلف اليمين.
وبعد المستجدات التي حصلت في إجراءاتنا وتعاملاتنا الورقية صار المرء مطالبا بشهود ومزكين وهوية وطنية عند (كل كلمة يقولها وكل كلمة ما بيقولهاش!!) على سيرة مسرحية شاهد ما شافش حاجة، وربما أن تمسكنا بالقسم أو الحلف جاء نتيجة الخوف من أن السامع لن يُصدّقنا، فاعتمدنا تعزيز أقوالنا وأحاديثنا العادية جدّا بالقسم.
والقسم الذي يسبق العبارات العادية في لغتنا المحكية يكاد يندر أو ينعدم في اللغات الأخرى، وقد يكون لعامل التوازن في الحياة العملية شأن في التعبير، فالقسم لا يكون إلا للضرورة وربما أمام هيئة قضاء أو محامٍ.
وجاءت آراء شرعية تقول بعدم حلول الحنث باليمين ووجوب الكفارة إذا كان الحلف من لغو القول، وإلا لأصبح لدينا الكثير من الكفارات على مدار السنة لكثرة ما نردده من القسم طُلب منا ذلك أو لم يطلب.