سموم الفكر إن احتلتك فتكت به وبك، وهي كثيرة الأنواع منوّعة التراكيب، تشبه السموم المنتشرة في العالم، والتي تضر الأجساد، فبعض السموم مصدرها مخلوق من مخلوقات الله، كسموم الأفاعي والعقارب، وبعضها صنّعها البشر، وبعضها مصدرها النباتات أو عصارتها.. وبعضها يصبح مركبًا سُمِّيًّا إن تجاوز تاريخ الصلاحية، وتناوله البشر دون انتباه.
سموم الفكر رغم مصانعها الكثيرة تنقسم إلى قسمَين: مصنع خارجي تبثه بعض وسائل التواصل الاجتماعي أو أفكار بعض الأفلام والكتب والأغاني، حيث توجّه الفكر إلى هاوية في الأخلاق أو تزرع شيئًا منحرفًا يُخِل أمان الإنسان أو تلقي به في جوف تساؤلات تشتت روحه، وقد وجد ذلك حتى في بعض الألعاب المتواجدة في المتاجر الحقيقية أو الإلكترونية. وقسم يُصنّعه العقل بذاته، ويُسمّم فيه حاله بحاله، وتلك سموم فتاكة لا يوجد عقار لإبطالها ما لم تكن أول مركباته الإرادة.
البعض يحتاج لمراكز للتخلص من سموم الفكر بمختلف أنواعها، فلكل فكر تسمم إرشاد خاص يتناسب مع نوعية السمّ الذي حقن نفسه به، فمثلًا البعض حقنوا أنفسهم بالعظمة، فأصبح الكون في ظنّهم يدور حولهم، لا يتقبّلون إرشادًا أو تصويبًا، فهم يعرفون كل شيء، ويدركون كل شيء، وفي منهجهم هم الأصح ويشعرون دومًا بأن هناك شيئًا يُحاك ضدهم ويريدون الأولوية وإن كانوا لا يستحقونها فإن واجهتهم قد تتلقى لكمات من أحاديث، وقد يطغون على أنفسهم في ردات الأفعال فينتزعون من ذاتهم بذاتهم راحة البال، ويدورون في فلك حديث مفاده «مَن هم كي يصوّبوني أو يحدّثوني بنفسي التي أنا بها أعلم».
هناك مَن يسمّم فكره بالسلبية العقيمة، وأي حسنةٍ يُفتّش فيها عن سيئة ليبطلها، وأي نجاح يتبعه بشك في قدراته فيعتكف في قالبٍ شديد البرودة، بحيث يمنع فكره من التجاوب مع أي إيجابية، وإن كانت ظاهرة للعيان.
هناك مَن يحقن نفسه بالخوف فيخاف مما لا يجب أن يُخاف منه، فكل شيء سيضره وكل شيء في ظنه خطر وإن كان آمنًا.
البعض يحقن نفسه بالشك فيشك بمَن حوله، ويشك بنفسه، وفي قدرته وأهدافه، فيسجن نفسه في عالم موحش لا متنفس فيه.
في رأيي، سموم الفكر عقارها في متناول الجميع، ويستطيع أن يصنعها الفرد إن أراد أو اعترف بأن لديه مشكلة، ويحتاج لمُعين، وتستطيع الأسرة صناعتها بالاحتواء والعون والتعاون والفهم وحسن التوجيه، ويستطيع المجتمع الإسهام في تركيب تلك العقارات بالتعامل بإنسانية مع قوالب البشر التي تخضع لعلاج.
• عقارالأفكار مصنع لإنتاج القناعات، فما تفكر فيه سيصبح حاضرك ومستقبلك.