@DrAlghamdiMH
أعظم تكريم للمتقاعد استبدال كلمة (متقاعد) بأخرى توحي بالكرامة والإنسانية. ندرك المعنى النظامي. فهل ندرك معنى مدلولها السلبي؟
تقول العرب إنها تتكون من كلمتين: (مت) و(قاعد). ماذا يعني هذا التعريف؟ لماذا يتم تداوله؟ ما مدلوله الاجتماعي؟ وما أبعاد تأثيراته غير المرئية؟ لن أعطي أجوبة. هدفي إثارة التحرك في ساحات التفكير، والتأمل، والتحليل، والاستنتاج.
تقول العرب: وراء الأكمة ما وراءها. هناك كلمات وجُمل توحي وتقول: الشعور السلبي يقود نحو محاذير تعكير صفو حياة المتقاعد. بالمقابل الشعور الإيجابي يقود نحو صفاء حياة المتقاعد. هذا يعطي قراءة لتفسير معنى ومدلول كلمة متقاعد. هل تعني الموت قاعدًا؟ هل علينا تجاهل التفسيرات؟ لماذا لا نرتقي بمفهوم التقاعد؟ هل تعجز اللغة العربية؟
يخدم الفرد حتى سن التقاعد. يقدم زهرة شبابه في خدمة الأجيال. أن يحصل على حقوقه من خدمتهم واجب وطني. هو لم يخدم فردًا بعينه. فضله على الأجيال. هل يجب أن يأخذ حقه منها؟ كيف ذلك؟ الراتب التقاعدي هو استقطاع جزء من راتب الموظف الشهري أثناء الوظيفة. بعد التقاعد يعود إليه هذا الجزء المستقطع. ويصبح راتبًا تقاعديًّا وفق أنظمة وقوانين. البعض يعتقد أنها غير عادلة. هذا ليس محل الحديث.
تحدثتُ في المقال السابق عن تكريم المتقاعدين. الهدف توضيح أن التكريم يقع خارج دائرة هذا الحق التقاعدي. التكريم وفاء. قد يكون معنويًّا. إلغاء الفروقات مع المتقاعدين في التكريم. الكل خدم بطريقة معينة. قدَّم سنين حياته في الخدمة. بغض النظر عن نوع الخدمة. لذا يكون التكريم على بذل وعطاء سنين العمر.
لن أدخل في متاهات تحديد نوع التكريم. لكن أتذكر ما حصل أمامي في أحد مطاراتنا الدولية. كنت في طابور انتظار الحصول على بطاقة صعود الطائرة. تقدَّم بخطوات ثقيلة شخص كبير في السن متخطيًا الجميع. وقف أمام الموظف وقدّم تذكرته. فنهره الموظف بازدراء مشين. طلب منه، وبنبرة مهينة، الوقوف في الطابور مع الناس. ليته توقف عند هذا الحد. لكن بدأ في التلفظ بألفاظ مشينة عنصرية. يصف فيها فعل الرجل المُسن وشخصه. تخيَّلت في حينه أن هذا المُسن هو أبي. تفاعلت. كان ما كان. هذه القصة توحي وتقول.
بالمقابل زُرت دولة خليجية. سكنتُ في حي واجهة عاصمتها البحرية. خرجت أمارس هواية المشي. رأيت محلًّا بتصميم جميل في إحدى ساحات هذه الواجهة يوحي بأنه مقهى. شعرتُ بأنه يقول لشخصي: (تفضل على شاهي وتعميرة). دخلت. سلّمت بصوت مرتفع على مجموعة جالسة. لم أنتبه لكونهم من كبار السن. كانت أمامهم (بيالات) الشاي الخليجية المعروفة. ناديتُ على الجرسون. حضر. طلبت (براد) شاي صغيرًا. قال: لا يوجد. تعجبت. سألت: هل تعمل هنا. أجاب بنعم. بدأت في نقاش معه. قال سأحضر لك (بيالة). قلت لا تكفي. ارتفعت نبرة صوتي. اعتقدت أنه يسخر من شخصي. اندهش العامل الأجنبي. وقف صامتًا في ظل طرح أسئلتي.
فجأة تدخّل أحد الحضور. قال: الأخ سعودي؟ قلت: نعم. رحب وسهل. أضاف: العامل صادق. لو تطلب (100 بيالة) لا مشكلة. تراها مجانية. ازدادت مساحة دهشتي. قال: هذا المحل من الدولة خاص بالمتقاعدين. كل شيء هنا خدمة لهم بالمجان. اعتذرت لهم وللعامل. طلبت (بيالة) شاي تقاعدية. أحضرها العامل وهو مبتسم بعد أن شرحوا له أنني ضيف. شربت الشاي. شكرتهم. ثم ودَّعتهم وخرجت.
دخلتُ المكان بمزاج. خرجت منه بآخر مليء بالتساؤلات، والاستنتاجات. تعاظم أمرها منذ تقاعدي عام 2016م. غير كافٍ أن يمنح المتقاعد بطاقة يشحذ بها التخفيضات. أن يكون للمتقاعد شأن باستثناءات تفرض تكريمه وعلو مقامة وتعزز عزة نفسه. أليس هذا من حسن الختام الذي ننشد؟