* ها قد مضت أسابيع منذ أن فُجِع العالم بكارثة الزلزال المدمِّر الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا في الساعات الأولى من فجر يوم الإثنين قبل الماضي، ومما لا شك فيه أن ذوي النهى ومَن وهبهم الله البصيرة النافذة حتى قبل وقوع هذه الفاجعة يدركون جيدًا أن هذا الكون بأجرامه السماوية المتعددة وبطبقاته الأرضية السحيقة، وعلى اتساعه وترامي أطرافه فإن الخالق البارئ "سبحانه" قد أحكم صنعه ووضع له القوانين الإلهية لتحفظ الطبيعة، وتمنع الأرض أن تميد والسماء أن تطبق، وحسر البحار والمحيطات أن تطغى على اليابسة ثم إذا حدث اختلالٌ واضطرابٌ لتلك القوانين الإلهية، فذاك لأمرٍ قد كتبه الله "سبحانه"، وبمشيئته وحكمته، فلا نملك إلا التسليم والرضا.
* ولكن ماذا عن السواد الأعظم من البشر سواءً في بلاد المسلمين أو من غيرهم من معتنقي الملل الأخرى، بعدما عاش العالم وما زال يعيش أيامًا عصيبةً وساعاتٍ ملؤها الحزن والأسى لما تطالعنا به نشرات الأخبار، وما تعرضه من ازدياد في أعداد المتوفين، ومن مناظر خلَّفها ذلك الزلزال مع استمرار عمليات البحث عن آلاف البشر تحت الأنقاض.
* والدول والمنظمات وأعني تحديدًا في الغرب، أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، هل يعتقدون أنهم بمأمنٍ من أن تحلَّ بهم نفس الكوارث؟؟ أقول هذا؛ لأنهم لم يلتقطوا هذه الفرصة لإظهار ما يتشدقون به من المُثل والقيم الإنسانية؟؟ أم أنها عقدة الفوقية التي يعيشونها ولا يرون أن غيرهم يستحق الحياة أو المساعدة للتخفيف عمّن أصابهم هذا الحدث بشتى المصائب؟؟
* ويكفي في هذا المقام أن أستشهد بمقال الكاتب البريطاني الشهير «ديفيد هيرست» في صحيفة ميدل بست، وانتقاده اللاذع للاتحاد الأوروبي لعدم التعاطي مع كارثة هذا الزلزال، وإظهار القيادة الأخلاقية والإنسانية أمام العالم، كما حدث أن بادرت أمريكا وما زال يحدث مع أوكرانيا.
* وعودًا على عنوان مقالي هذا، وكسؤالٍ مباشرٍ يحتاج إلى إجابةٍ واضحةٍ وجليَّةٍ: هل من محاسبةٍ للنفس وأوبةٍ إلى الله، وعدم التغافل عمَّا حلَّ بإخواننا؟؟، ولستُ بصدد التطرق للمشاهد المحزنة؛ لأن البعض ربما شاهدها، لكنني سأكتفي بذكر ثلاث حالات تستدعي منّا الاستفاقة والتأمل في حالنا لتصحيح المسار واغتنام الدعة والأمن قبل الأهوال والنكبات، فقد هزَّ وجداني وأجرى مدامعي عدة مناظر وكان من أشدِّها إيلامًا:
- منظر طفلٍ معلَّقٍ في أحد الأبنية بعدما تصدعت أركان المبنى وأصبح مدمَّرًا، وذلك الطفل معلَّقٌ بقدميه، وعنده رجل لا تُعرَف قرابته له، لكنه كان حريصًا على أن يلقِّنه الشهادة.
- ومشهد تلك الطفلة، وهي تقول لمَن كان يسألها من المنقذين: ما إذا كان أحدٌ معها عند وقوع الزلزال؟ فتردُّ بصوتٍ تنقطع له نياط القلب وهي تقول: (كان معي أمي وأخواتي لكنهم ماتوا)، فلكلِّ ذي لبٍّ أن يتصوَّر كيف عرفت أن أسرتها قد أسلموا أرواحهم إلى بارئهم؟؟ ولك أن تتخيّل كيف كانت تجول ببصرها بينهم، وتتابع أنفاسهم حتى انقطعت؟؟ وأي يقينٍ يلفُّ قلب تلك الصغيرة البريئة؟؟ وماذا ينتظرها من بؤسٍ ويُتمٍ ستعيشه في عمرها القادم إذا كتب الله لها عمرًا مديدًا.
- وطفلةٌ أخرى لم يتجاوز عمرها في تقديري سنَّ السادسة، وآثار الإصابات بادية على وجهها المتورّم، وبقايا الدم في أحد خدّيها، وهي تردد وتبكي (يومٌ كامل ما صليت... يومٌ كامل ما صليت)، فهل يتَّعظ مَن يتكاسل عن أداء الصلاة، ويسمع ما كان يشغل تلك الصغيرة وهي في خضمّ المصيبة، وهول الفاجعة، لكنها لم تنسَ الصلاة.
* ومضة فخر واعتزازٍ:
كما هو نهج قادة المملكة - حماها الله - فقد تم على الفور إنفاذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، بسرعة تسيير الجسور الإغاثية لمنكوبي الزلزال في تركيا وسوريا بكافة الطواقم البشرية، ومعها المستلزمات الإغاثية والطبية والمعيشية، وأيضًا تم انتداب فرق الإنقاذ المدرّبة للمساهمة في عمليات البحث والإنقاذ، وكل ذلك دون منَّة أو مقابل؛ لأن هذا هو ديدن بلاد الحرمين الطاهرة، وحكامها "أيدهم الله" وكما عهدها العالم.