شاركت اختصاصية علم النفس الإنساني د. آلاء الخاني قصتها حول كيف يحمي الآباء أطفالهم وكيف يجعلونهم يشعرون بالأمان مجددًا، عندما تكون بيوتهم مدمرة بسبب الحرب لتتقاسم علمها في الدعم والتعلم من عائلات اللاجئين السوريين المتضررين بسبب الحرب في سوريا.
وهي تسأل كيف يمكن أن نساعد هؤلاء الآباء الحنونين على توفير سبل الرعاية الأبوية الدافئة والآمنة لأطفالهم، الذين هم في أمس الحاجة إليها؟
الأطفال أكثر الضحايا براءة و استضعافًا
قالت آلاء الخاني عبر منصة TED التي تقدم سلسلة من المؤتمرات العالمية، التي تهدف لتعريف ونشر الأفكار الجديدة والمتميزة للعالم وترعاها، أن أكثر من 1.5 مليار شخص حول العالم يعانون صراعًا مسلحًا، ونتيجة لذلك، يُجبر الناس على الهرب من بلادهم، مما يخلف أكثر من 15 مليون لاجئ.
وتابعت: "إن الأطفال من دون شك، هم أكثر الضحايا براءة و استضعافًا... لكن ليس فقط بسبب الأخطار الجسدية الظاهرة، بل بسبب التأثيرات المخفية التي خلفتها الحروب على عائلاتهم، وتركت تجارب الحرب الأطفال في مستوى عالٍ من خطر تطور المشكلات العاطفية والسلوكية".
فالأطفال، كما يمكننا أن نتخيل، سيشعرون بالقلق، والتهديد و بالخطر، لكن هناك بارقة أمل، من أن جودة الرعاية التي يتلقاها الأطفال في عائلاتهم يمكن أن يكون لها تأثير كبير على عافيتهم أكثر من التجارب الفعلية للحرب التي قد تعرضوا لها. لذا بالفعل يمكن حماية الأطفال من خلال التربية الوالدية الدافئة والآمنة خلال وبعد النزاع.
هل يحافظ الأبناء على بريق العفوية في منطقة حرب؟
استطرت الاختصاصية النفسية في قصتها: "لقد كنت طالبة دكتوراه في سنتي الأولى في عام 2001 بجامعة مانشستر، قسم العلوم النفسية. ومثل الكثير منكم هنا، شاهدت الأزمة السورية تتكشف أمامي على التلفاز. إن أصول عائلتي سورية، وفي وقت سابق، فقدت العديد من أفراد عائلتي بطرق مروعة. وكنت أجلس واجتمع مع عائلتي نشاهد التلفاز، رأينا كلنا هذه المشاهد من قنابل تدمر المباني، فوضى عارمة، ودمار في كل مكان وأناس يركضون ويصرخون. ولطالما كان صراخ الناس وفرارهم أكثر ما أثر بي، وبالأخص منظر الأطفال المرعوبين.
كنت أمًا لطفلين فضوليين بعادتهما. كانا بعمر الخامسة والسادسة آنذاك، وفي عُمرٍ يكون من المعتاد أن يسألا فيه الكثير من الأسئلة، ويتوقعان الحصول على أجوبة حقيقية ومقنعة للغاية. لذا بدأت أتساءل، كيف كان سيبدو الأمر أن أربي طفليّ في منطقة حرب وفي مخيم لاجئين. هل سيتغير طفليّ؟ هل ستفقد عيون ابنتي المشرقة و السعيدة لمعانها؟".
إمداد الآباء بالنصح والتدريب
أشارت د. آلاء إلى أن طبيعة الاختصاصيين النفسيين ومدربي الآباء أن يكونوا متسلحين بمهارات العناية بالأطفال وما يمكن أن يكون له تأثير عليهم، والذي يطلق عليه "تدريب الآباء"، متسائلة:" هل سيكون برنامج تدريب الآباء مفيدًا للعائلات طيلة تواجدهم في مناطق الحرب أم في مخيمات اللاجئين؟ هل من الممكن أن نمدهم بالنصح والتدريب الذي سيساعدهم على تخطي هذه الصعوبات؟".
اقترحت فكرة استخدام مهاراتها الأكاديمية لإحداث تغيير في العالم الحقيقي على مشرف رسالة الدكتوراه ليجيبها بالقبول:" إذا كان هذا الأمر يعني لك كثيرًا وتريدين فعله، إذًا لنفعله. لنجد طريقة ما، نرى من خلالها إذا كانت برامج التربية الوالدية مجدية للعائلات في هذه الظروف".
لاجئون: "نشكر لكم عدم نسياننا وأطفالنا"
تابعت د. آلاء: "كنت أنا وزملائي على مدى الخمس سنين الماضية والبروفيسور كالم ود. كيم كارترايت نعمل على إيجاد طرق تدعم العائلات، التي عاشت مقاسي الحرب والنزوح، ولمعرفة كيف من الممكن مساعدة العائلات، التي مرت بنزاع مسلح لدعم أطفالهم، من البديهي أن تكون أول خطوة هي السؤال عن الأمور التي يعانونها."
ووجدت د. آلاء حين سافرت إلى مخيمات اللاجئين في سوريا وتركيا، و جلست مع العائلات وأصغت لهم. وإلى تحديات التربية التي تواجههم وفي بعض الأحيان كان كل ذلك الأمر يتوقف، وكل ما استطاعت فعله إمساك أياديهم ومشاركتهم بصمت في البكاء والدعاء.
ظروف المخيمات قاسية وصعبة
قالت د. آلاء: حدثوني عن معاناتهم، وأيضًا أخبروني عن ظروف المخيم القاسية والصعبة، التي حالت بينهم وبين التركيز على أي شيء سوى الأعمال الأساسية كالبحث عن الماء النظيف.
وأخبروني أيضًا كيف شاهدوا انْطواء أطفالهم، والحزن والاكتئاب والغضب، وتبليل الفراش ومص الإبهام والخوف من الأصوات العالية، والخوف من الكوابيس، ولقد كنت مندهشة ومتحمسةً بما وجدت من دوافع لدى هذه العائلات لدعم أطفالهم رغم كل التحديات التي واجهوها.
اقتراح بتوزيع منشورات توعية
تساءلت د. آلاء: كيف يمكننا مساعدة هذه العائلات؟ إن العائلات تعاني أمورًا أكبر من أن تستطيع التعامل معها.. كيف من الممكن الوصول إلى العائلات على المستوى السكاني وبأقل التكاليف وفي هذه الأوقات المرعبة؟، وبعد ساعات من الحديث مع عاملي المنظمة غير الحكومية، اقترح أحد العمال فكرة رائعة تقوم على توزيع منشورات تحتوي على معلومات للتربية الوالدية من خلال مغلفات الخبز، التي توصل للعائلات في مناطق النزاع السورية من قبل عاملي المساعدات الإنسانية.
وكان هذا ما قمنا بفعله بتقديم 3 آلاف منشور يتضمن النصائح في ورقة وورقة أخرى عبارة عن استبيان لتصل عليه الردود إلى نسبة 60% من بينها "نشكر لكم عدم نسياننا وأطفالنا".
اللاجئون السوريون يشكرون #مركز_الملك_سلمان لتخفيف معاناتهم المرضية https://t.co/r1JvotfrFk pic.twitter.com/GRltE8qcCP— صحيفة اليوم (@alyaum) June 8, 2020
إيقاف الحروب وبناء عالم حالم للأطفال
واختتمت د. آلاء بأن هناك حاجة لإيقاف الحروب، وبناء عالم يمكن للأطفال أن يحلموا فيه بطائرات ترمي الهدايا، لا القنابل. حتى يتوقف هيجان النزاعات المسلحة عبر العالم، وستستمر العائلات بالنزوح، وترك الأطفال مستضعفين، لكن بتحسين التربية الوالدية ودعم مقدمي الرعاية الصحية قد يكون من الممكن إضعاف العلاقة بين الحرب والعوائق النفسية عند الأطفال وعائلاتهم.