- ما هي الديرة؟ ماذا تعني؟ ما مدلولها؟ ما أبعاد فهمها؟ كيف جاءت التسمية؟ ولماذا؟ تساؤلات جاءت مع شتاء عام الـتأسيس هذا. قضيت جزءا منه في قريتي. لأول مرة منذ نصف قرن، غادرتها شابا مع جيلي بحثا عن حياة أفضل، لم نهاجر لكن بقينا في نفق سفر بحث طويل. لا نعرف إلى أين يقودنا مصيرا ومستقبلا، لكننا نعرف أنه سكة أمل، ستأخذنا نحو الأفضل. وقد تربينا في القرية صغارا على الرجولة والمرجلة، تم وأد طفولتنا لصالح حياتنا.
- القرية في سن شبابنا كانت تمثل هويتنا وكرامتنا. مع السفر والغربة جاءت كلمة (الديرة)، كل حديث يدل على القرية يتم استبداله بـكلمة (الديرة)، منها خرجنا بحثا عن شيء ذي قيمة، نعود به إليها فخرا ومنفعة. وجدنا أنفسنا نطوف العالم بقرية تسكن في قلوبنا، نحملها حيث توجهنا، نمني أنفسنا بالعودة إليها، هي أشبه بحضن الأم الذي يأوي.
- كنا نحمل معالم وطقوس حياة القرية، نحمل أسماء أهلها من رجال ونساء، حملنا أسماء وصور حيواناتها الداجنة، طيورها وزواحفها، شجرها ومدرها، جبالها وهضابها، بيوتها الحجرية وطرقها الرجلية، وأشكال تضاريس بيئتها، أسماء صخورها ومجاري مياه أمطارها، وحتى أسماء مدرجاتها الزراعية، لم يبق شيء نعرفه في القرية إلا وحملناه في سفرنا، حتى فنونها وثقافتها، خصالها الحميدة، وعاداتها بشتى أنواعها. تحول الفرد لوطن يحمل بعقله كل شيء عرفه في القرية.
- في السفر وبسببه وجدنا لفظ (الديرة) يجمع شمل كل ما نحمل، يشرح حمولتنا أمام بعضنا البعض، يعمق علاقتنا ويعزز، يجمع ولا يفرق، يغذي إحساسنا بالانتماء، يجذبنا إلى جذرها، يشدنا نحو مكانها في غربة نعيشها. مصطلح (الديرة) جامع شامل حتى في المشاعر، والتفاعلات اليومية. مصطلح يغذي الفرد بكل موروث، لكي لا ينفصل عن جسم القرية أو يتوه بعيدا عنها.
- مصطلح (الديرة) أشبه بوعاء يجمع الجميع بعاطفة، وعقل، ومشاعر موجهة. أصبح كل شيء في القرية موروثا يجب حمله. كل فرد يجد نفسه يرث حتى الناس في القرية ويسميهم الجماعة. يرث الأرض ويسميها البلاد. يرث بيئة القرية وعاداتها وتقاليدها. يرث الأسماء والأفعال، التصرفات وطقوسها. يرث المناسبات وحتى اللهجة ومدلولها.
- مصطلح (الديرة) يشد نحو مكان محدد، لموقع معروف بجماعة، كل فرد فيها يعرف أسماء كل أفرادها، حتى وإن لم يرهم بسبب سفرهم وغربتهم عن بعض، يعيشون في مدن مختلفة ومع ذلك يعرفون بعضهم بالسمعة، فيستمر الترابط، ويزيد عن بعد. يفرح الجميع لفرح فرد، يحزنون لحزن فرد، يتنادون جميعهم لحاجة فرد، يباركون ويفتخرون بإنجاز كل فرد، يصبح الجميع حزمة واحدة تشكل محورا واحدا، يتحول لجهاز واحد يدعو الجميع لكل حدث وتغيير يأتي لأحدهم سلبا أو إيجابا. معها تظهر معالم وصفات النخوة، والشهامة، والرجولة، والمرجلة، وطقوس المواقف الإيجابية. وتأتي الألقاب المحفزة مثل النشمي. تظهر ميادين التنافس الشريف بين أبناء جماعة القرية.
- تعتلي مكانة القرية بمكاسب أفرادها في شتى المجالات. يصبح الفرد وحدة متكاملة من الكرامة والعزة. تتحرك وسط وحدات أخرى تسند بعضها البعض. تعطي لكل فرد قيمة، وشأنا، وأهمية. تصبح (الديرة) أشبه بمصنع لجودة أفرادها، بدقة متناهية الإتقان والالتزام والغيرة. (الديرة) اسم أشبه بمركز تعليم وقيادة، يوجه نحو حياة أفضل، يحفز لتحقيق مكاسب إيجابية، يعمل لتقليص السلبيات لأقصى حد من أجل سمعة أفضل ومكانة أكفأ.
- اليوم تحولت القرية لكيان كبير اسمه المملكة العربية السعودية. أصبحت ديرتي، وبيتي، وقريتي، وأهلي، وجماعتي. عليها أغار. عنها أدافع. أصبح جميع أهلها أهلي. أفرح لفرحهم. أحزن لحزنهم. أفتخر بإنجازهم. لهم أدعو بالخير دائما. نعم.. ديرتي المملكة العربية السعودية.. كلي فخر.