مرحلة الطفولة المبكرة من أهم المراحل التي يتم فيها بناء وتشكل شخصية الإنسان والبدء في إشباع حاجاته النفسية، وحتى يكتمل بناء الشخصية، يمر كل منا بكثير من التحولات والظروف التي تصنع شخصيته حتى تجعلها قادرة على مواجهة متطلبات الحياة والتكيف معها، والدور الأكبر دائما يكون للوالدين ثم المدرسة والأقران في إشباع هذه الحاجات، وكثير من سلوكياتنا في حياتنا اليومية هي نتاج لما تحقق في طفولتنا من إشباع لهذه الحاجات، والمختصون في العلوم النفسية قد يجدون بسهولة تفسيرات مناسبة للكثير من سلوكياتنا مع الآخرين بناء على النظريات النفسية المتعددة والتي تهتم بتفسير السلوك الإنساني وتحديد محدداته، ونقص إشباع الحاجات النفسية في المراحل المبكرة من حياة الإنسان قد ينعكس سلبا على تصرفاته في المستقبل، فتجد من يبحث عن الحب والاهتمام في كل تصرفات حياته، بسبب عدم إشباع هذه الحاجة بشكل كاف، فيتعلق بكل ما يعتقد أنه سيضفي عليه الاهتمام والتقدير، وفي عالم وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة التي قربت البعيد وسهلت التواصل بين الناس وساهمت في نشر المعرفة، رغم بعض ظواهرها السلبية، إلا أنها أصبحت وسيلة لإشباع الحاجات النفسية للبعض، فظهرت لدينا ظواهر نفسية جديدة تتعلق باستجداء الإعجاب وإعادة التغريد وطلب الثناء، وملاحقة المشهورين والمسؤولين، بل وإحراجهم لعل أحدهم يلتفت لهم بإعادة تغريد أو بضغطة إعجاب، أو لعله يجاريهم بتعليق، فإن فعل يبدأ معه موال آخر من الإزعاج للأصدقاء والمقربين يشارك معهم هذا الإعجاب أو إعادة التغريد، ومشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم في التغريد أو في النشر عبر وسائل تواصلك الاجتماعي أمر فيه خير، لكن المحزن هو تحولها لمنشورات إزعاج لآخرين، خاصة ما يحدث في منصات التواصل الاجتماعي، حيث لوحظ أن البعض لا يكتفي بالنشر بل إنهم يعملون على إعادة إرسالها إلى جميع دائرة أصدقائهم إن لم يكن إلى جميع دائرة الأرقام المحفوظة في جوالاتهم، والبعض تمادى بذلك إلى أكثر من ذلك، حيث يرفق معها رسائل تحث على إعادة التغريد والإعجاب، بل ظهر من يقيس علاقته بزملائه بمدى استجابتهم لمثل هذه الطلبات، فما الذي دفعهم إلى هذا السلوك، وما الذي يجعلنا نهتم ونحرص على طلب إعادة التغريد أو الإعجاب بمشاركاتنا عبر منصات التواصل الاجتماعي، فهل هي جزء من رحلة بحثنا عن التقدير والثناء من أصابع المتابعين، وهل لطفولتنا المبكرة وما نتعرض له من إشباعات أثر في هذه الظواهر السلبية التي ترافق منصات الإعلام الاجتماعي، مما يجعل رحلة البعض في هذه الحياة أشبه ما تكون بالرحلة النفسية المرهقة التي يبحث ويستجدي فيها التعاطف من الآخرين، وهل للأسرة في زمن سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في الالتفات لحاجات أبنائهم النفسية وإشباعها بالطرق الصحيحة حتى لا تنعكس سلبا على شخصياتهم ويقعون ضحايا لمتاهة البحث عن الحب والتقدير في منصات التواصل الاجتماعي.
@dhfeeri