بين الحين والآخر، نرى البعض من المشاهير وغيرهم يستشهدون بآيات أو أحاديث نبوية وهو أمر حسن ومحمود، ولكن المشكلة حين يصبح كل منهم يستنبط دون الرجوع إلى الشروح والتفاسير، بل يبدأ بعقله وينتهي بعقله! والأغرب أن في المسائل الشرعية أصبح الكثير يستسهل في أن يفتي ويستدل ويستنبط من رأسه، فهل أصبح الدين في هذه الأيام جداره قصير؟!
ولكن في المقابل لا نجد أحدا منهم يستنبط أو يحاول الجمع بين النسبية العامة وقانون (عدم التحديد أو مبدأ الريبة) للعالم الألماني فيرنر هايزنبيرغ، ولا أحد منهم يرد على فكرة تعدد الأكوان، أو نقد نظرية الانفجار العظيم أو الفُتية في الثقوب السوداء أو ماذا كان هناك قبل الانفجار العظيم؟ أعلم أن هذه المسائل هي علوم متخصصة، وكذلك الدين والشرع هو علم متخصص، فلا يصلح أن تتلقف المسألة بلسانك بدون علم، بل لابد من المراجعة والقراءة ومعرفة الأدلة قبل القفز إلى النتيجة، بمعنى أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما قيل.
الواقع أن الشرع والدين مثله مثل أي علم يحتاج إلى أدوات وخبرة في الاستنباط، وباع طويل في الفقه المقارن، وفي قراءة التفاسير والمسانيد والسنن، ومعرفة ماذا أقول؟ ومتى أقول؟ فليس كل خلاف معتبرا، وليس من الشطارة تتبع عثرات بعض العلماء من أجل موافقة هواك، وهروبا من البحث العلمي الرصين.
وفي بعض الأحيان نستشهد بآية أو حديث ولا نتعب أنفسنا بالبحث عن المسألة مع سهولة الوصول إلى المعلومة في زمن انتشرت فيه وسائل المعرفة بلمسة زر، بعد أن كانت تأخذ زمنا طويلا في البحث والتقصي.
ما أريد أن أقوله وبوضوح لا تستعجل في عرض المنقول من النص على عقلك، ولكن انظر في أقوال من سبقك من العلماء الثقات المعتبرين، ثم بعد ذلك ابدأ في البحث عن الحق بعقلك لا بعاطفتك أو هواك، لأن البحث بما يوافق هواك منزلق خطير على نفسك، وعلى من يقرأ لك، ويستمع إليك. وهذه الطريقة ليست فقط تطبق على الأمور الشرعية والدينية، بل حتى في العلوم الطبيعية، فالتعصب للهواك يُعميك على الحقيقة. وسوف أضرب لك مثلا من الناحية العلمية الفيزيائية لمسألة حيرت عقل آينشتاين، وظل يعاند ويكابر فيها أكثر من (30) سنة. وهي مسألة (مبدأ الريبة) في ميكانيكا الكم (نظرية هايزنبيرغ)، فقد ظل آينشتاين يراوغ ويعاند لأن هواه لم يكن مع النظرية، وفاته الشيء الكثير لو أنه حكّم عقله، وأخذ بها وطورها، حيث إنها تحوّلت فيما بعد إلى واقع، وأصبح لها تطبيقات في حياتنا كالترانزستور في معظم الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.
ومن نافلة القول أن أخبركم بأن الفيزياء تخصص، والطب تخصص، والكيمياء تخصص، وكذلك العلوم الدينية والشرعية تخصص، فلا تقحم نفسك في شيء إلا بعد أن تقرأه جيدا وتفهم أوجه الخلاف قبل القفز إلى النتائج أو الاعتماد على الشاذ من الآراء والمخالف من العلماء فقط من أجل الشهرة والأضواء، واكتساب المتابعين. وأذكر أني قرأت منذ زمن أن أحد الأدباء الكبار انتقد المنفلوطي في أوج شهرته. فلما سئل على ذلك قال: من أجل أن يعرفني الناس! وكان ذلك في بداية حياته الأدبية والفكرية.
وكما أن الخطأ في الفيزياء يؤدي إلى المخاطرة بسلامة الناس، والخطأ في الطب يودي بحياتهم، فكذلك الخطأ في الدين والشرع يؤدي إلى مهالك في الدنيا والآخرة. وصدق رسولنا «عليه الصلاة والسلام» حين قال: «قَتَلوه قَتَلَهمُ اللهُ، ألَا سألوا إذْ لم يَعلَموا، فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ». يعني الجاهل يسأل ولا يتفلسف ويُفتي من جيبه!
abdullaghannam@