على ضفاف بحيرة مياهها كانت ترتوي من إشعاع شمس دافئة أستمع بإنصات لهم وهم يتحدثون عن وطنهم وعن عواصم بلدان مميزة، وذكروا الرياض، فالتقى نظري بنظر ابنتي، فابتسمنا بفخر وأطربت روحي، ولا إراديا وضعت يدي على قلبي، تنبّهت مَن كانت تجلس بجواري لسؤال أظنه كان يدور في خلدها منذ وصولي، ولكن لسبب ما كانت تؤجله، فقالت بحماس: آه ذكرت سؤالًا كنتُ أريد أن أطرحه على شخص أعرفه عن قرب لأتأكد من أمر ما، قلت لها: تفضلي، فسألتني واصفة: هل تلك المدينة المبنية في وسط الصحراء - وأكملت وصفها وهي تظن أن ما تتحدث عنه ضرب من الخيال؛ لتُنهي حديثها بقولها مستفهمة: هل تلك حقيقة أم دعاية لوطن أصبح لا يُشار إليه كمنتج للنفط فقط، بل كوجهة سياحية تعرض تراث موروث لم تُنسَ عاداته، وخلق أصيل الكرم أول أساسياته وتقديرًا لضيف يجوب معالم ربوعه وأفراد منه نراهم يبرزون ببراعة على مختلف منصات الجوائز والبحوث الطبية؟
أجبتها وقد أحمرّت وجنتي من حماس أشعل نبضي، فجعل دماء الانتماء تتدفق وتُسابق المفردات وقلت في بداية حديثي: بل حقيقة ستسبق كل التوقعات إن شاء الله، قاومتُ كل بوح كان يتلهف للحديث عن وطني، نبض قلبي، وأنهيت الحديث بابتسامة، فقد كانت النظرات تحثني لأن أسترسل، وأحببتُ أن أُنهي حديثي بابتسامة اعتزاز ولحظة توقف؛ لأمنح عظمته وقفة صمت وإجلال تليق به.
بعد أسئلتهم المتتابعة الراجية، استأنفت الحديث، فبالرغم مما يعرفونه عن وطني يريدون نبضًا منه يتحدث عنه؛ ليفهموا سبب تكرار اسمه بإسهاب على لسان رئيسهم، وذاك ما أردته بالضبط، فبدأت بقولي: وطني هذه الأيام يحتفل بيوم التأسيس، وفيه تأسست الدولة السعودية، وحققت الوحدة والاستقرار، وبدأت جذورها إلى أن امتدت إلى ما تسمعونه عن وطني الآن، ذاك الجذر الذي أوجد محله في الأرض، رسخ في عمقها ووصل إلى عنان السماء، تتابع على ريه ملوك أوفياء، بنوا وطنهم لبنة لبنة، وعلى متونهم حملوا راية التوحيد، وفي أعينهم رؤية تُحَقق لشعبهم الأصيل التميّز، ومن بيت الطين قبل ثلاثة قرون، اليوم «ذا لاين» فرع ممتد لجذر ثابت التأسيس، تتابعت الأحاديث بعد تلك المقدمة التي أثارت التشويق، وقلّبنا الصور لأوثق حديثي عن تاريخ وإنجاز وبصمة مميزة، وكان الفضول المشفوع بتقدير سيد الموقف والمتحكم في دفة الأحاديث، انتهت ساعات اللقاء، وبدأت خيوط الغروب تنسج سطح البحرية، فركبنا مركبتنا وأدارت ابنتي لحنًا جميلا متوارثا يشبه أصالة ما سأورثه لها، نغمًا عن بلادي.