البحث عن التحسين طبيعة إنسانية يلجأ لها الكثير لتحسين ظروف حياتهم الشخصية والمعيشية، وهي رحلة مستمرة مع الإنسان قد لا تنتهي ولا تتوقف حتى انتهاء رحلة الإنسان في هذه الحياة، ورغم أن مبدأ التحسين مبدأ فضفاض، ويختلف من شخصية لأخرى، إلا أنه يرتبط بطبيعة النفس البشرية التي تسعى دائمًا لتحقيق متطلباتها واحتياجاتها النفسية والاجتماعية، وفي بيئات العمل نلاحظ ذلك بشكل مستمر عبر بحث الكثير خاصة من أصحاب الخبرات المتوسطة على تحسين مستوياتهم الوظيفية عبر الانتقال من منظمة لأخرى، وهو أمر في كثير من الأحيان إيجابي، ويساهم في نقل الخبرات بين المنظمات خاصة عند انتقال موظف من منظمة كبيرة أو ذات خبرات راسخة إلى منظمات جديدة ناشئة، واستطاع كثير من المنظمات الناشئة حديثًا جذب الكثير من الموظفين أصحاب الخبرات لها، لما وجد المنتقلون في هذه المغريات فرصًا لتعديل مواقعهم الوظيفية ورواتبهم التي يصعب عليهم تحقيقها في منظماتهم الأولى، خاصة مَن كان منهم في منظمة فيها تنافسية عالية، وعند انتقال الموظف للمنظمة الجديدة وبدأ في مرحلة الاستقرار الوظيفي، يبدأ خاصة مَن يتعيّن منهم في منصب قيادي في استقطاب زملائه الذين يعرفهم ويقدِّر عملهم لينتقلوا معه في هذه المواقع الجديدة لتتكامل خبراتهم ويعملوا معًا كفريق واحد لتطوير مواقعهم الجديدة، وهناك برأيي سبب إضافي لاستقطاب زملاء العمل السابقين، وهو الجانب النفسي الذي يسببه وجود هؤلاء الأصدقاء أو الزملاء حوله من أمان نفسي؛ مما يجعل العمل الجديد أكثر استقرارًا وأمانًا نفسيًّا لهم، ورغم هذه المميزات الوظيفية الجديدة إلا أنه لوحظ أن البعض يصطدم نفسيًّا باختلاف الثقافات في بيئات العمل بين منظمات عملهم القديمة والجديدة؛ مما يجعل عملية التكيّف مع الثقافات الجديدة أمرًا صعبًا نسبيًّا، وذات آثار نفسية قد تكون كبيرة، وتترك بصمتها على حياة الموظف وأسرته، خاصة عندما تتغيّر القيادات والسياسات في هذه المنظمات الناشئة بشكل سريع لم يتعوده الموظف في حياته السابقة، ويزداد هذا الأثر عند الانتقال من المدن الهادئة إلى المدن الصاخبة، حيث يبقى الحنين إلى المنظمات القديمة وتذكّر أيامها الجميلة حتى أن البعض تراوده الأفكار بالعودة إلى عمله الأول أو حتى قربه، خاصة مَن لم يكن خروجه بسبب مشكلة وظيفية، لتبدأ معها رحلة من الانتقالات لهذا الموظف من منظمة لأخرى حتى لا تكاد حياته النفسية والأسرية تستقر، والمتتبع للمواقع الإلكترونية التي تعرض حالات انتقالات الموظفين لا يكاد يمر يوم دون حفل توديع واستقبال لموظف في موقع جديد.
وهي برأيي الشخصي عملية منهكة نفسيًّا ليس للموظف فحسب، بل لأسرته التي تدفع ثمن هذه الانتقالات المتعددة من موقع لآخر، رغم مميزاتها المالية، لكن المال ليس كل شيء في نهاية المطاف، فالتفكير في استقرار الأسرة وتوفير البيئة الآمنة للأبناء مطلب مهم قد لا ينتبه له البعض، والذي قد ينعكس أثره على استقرار الأبناء في بيئاتهم التعليمية على سبيل المثال، وبدلًا من أن تتحوَّل هذه الانتقالات إلى عملية مستمرة تنهك حياة الموظف وأسرته.
@dhfeeri