@SaudAlgosaibi
«إثراء» ذاك الصرح الثقافي الكبير والذي نفتخر به بالمنطقة الشرقية، نالني الشرف أن كنت أحد رواد فكرته أثناء ما كنت نائبا لمجلس إدارة غرفة الشرقية ورئيسا لأحد فرق العمل للجنتها الإستراتيجية. وأقف هنا لأسرد شيئا للتاريخ بعد ما ذكرتنا دارة الملك عبدالعزيز في محاضرة لها مؤخرا بالدمام بضرورة جمع الرواية الشفهية ولأنها جزء من التاريخ.
إن الجميع يعلم عن الدور الكبير الذي تقوم به غرفة الشرقية والذي بلا شك أنها ساهمت ومنذ إنشائها في تطوير بيئة العمل وبالمناخ الثقافي الذي هو مكون رئيس وجزء لا يتجزأ من بيئة العمل ذاتها. فهو ما يدعو إلى الإبداع والابتكار لخلق الجديد من الفرص التجارية. فليست التجارة تلك بالشطارة إنما التجارة هي في اتساع الرؤية ومن الإلمام بثقافة الآخرين وسلوكهم وعاداتهم وطباعهم، واستغلال ذلك بما يحسن من المناخ والبيئة الاستثمارية المحلية ويخلق الفرص ويشجع على الاستثمار. فاتساع رؤية التاجر بثقافته وتنوع علومه هو مدعاة إلى التطور. كما أنه مدعاة لقراءة المستقبل المكون الرئيس لأي مشروع تجاري أو صناعي.
فمن هذا المنطلق اهتمت غرفة الشرقية وتبنت التعليم والتدريب. وكان لها الفضل، بعد الله سبحانه وتعالى، في إنشاء أولى الكليات ذات السنتين اختصارا لفترة التعليم ولملء الشاغر في سوق العمل عبر برنامج رعته وقامت به مع جامعة الملك فيصل بالدمام (الإمام عبدالرحمن)، وكذلك ومن خلال لجنتها الإستراتيجية في تبني أرامكو السعودية فكرة إثراء.
وكجزء من التاريخ آتيكم لأسرد فكرة المركز وكيف ولد. وأبدأه بقول للإمام الشافعي «تغرب عن الأوطان في طلب العلى، وسافر ففي الأسفار خمس فوائد، تفريج هم واكتساب معيشة، وعلم وآداب وصحبة ماجد». وقد كنت مبهورا بعد أن تخرجت من الجامعة بالولايات المتحدة الأمريكية بزيارتي أحد المراكز الثقافية العامة بمدينة واشنطن وتمنيت أن يكون عندنا أشباهه. ضم هذا المركز قاعات ومسارح ومتحفا، وغالبا ما تأتيه فرق المسرح وفنون الأداء العالمية. كانت أرامكو في تلك الفترة لديها متحف خاص في النفط به مسرح للعرض السينمائي صغير ولا يزال مبناه موجودا بالقرب من مبنى إثراء الحالي.
حينها تشرفت بأن أكون عضوا في لجنة القطاعات الإستراتيجية بغرفة الشرقية عند تأسيسه. وقد عهد إليّ رئاسة أحد فرق العمل المنبثقة منه وكان معنا أيضا ممثل لأرامكو السعودية ومدير لأحد أقسامها. وكنا بتلك الفترة أن عملنا بعض الدراسات عن الميزة النسبية لمدن المنطقة كل على حدة، وقدمنا بعض الأطروحات عن مدن ومشاريع صناعية جديدة كأشباه الموصلات والتقنية الحيوية من خلال تلك اللجنة. إلا أنه ظل ما شاهدته في ذاك المركز الثقافي بواشنطن يراودني. طرحت الفكرة بأحد الاجتماعات وقدمت لها عرضا أساسه العرض التالي: إن كانت أرامكو مهتمة بالإثراء الثقافي وبتحسين مناخ وبيئة العمل، يمكنها أن تتبنى توسع متحف أرامكو القائم ليضم متحفا للمقتنيات الأثرية وعددا من القاعات للفنون الأدائية، يرتاده طلبة المدارس ليبين العمق التاريخي للمنطقة ويثري علومهم ويوسع أفقهم، وللبالغين من الإثراء المعرفي بالتراث وبالعمل المسرحي العالمي، ومكانا للزوار يخبر عن اكتشاف البترول ونشأة وانطلاق الصناعات النفطية بالإضافة.
إلا أننا واجهنا عددا من التحديات كيف ومن أين نبدأ بالمقتنيات الأثرية وكيف نصل إلى مسؤولي أرامكو لإقناعهم بالفكرة. تحدثنا بالبداية مع مدير متحف الدمام الإقليمي الذي استعد متطوعا لإقناع إدارته بتزويد متحف أرامكو بالمقتنيات الأثرية من المكتشفات بالمنطقة إن أتاه طلب رسمي. كما اجتمعنا مع مدير متحف أرامكو عددا من المرات واتفق بأن يبعث للمسؤولين بطلب توسعة المبنى الأمر الذي يحتاجه على أن تتولى الإدارة الصناعية بأرامكو الممثلة معنا باللجنة الإستراتيجية المتابعة. وبالفعل تمت دعوة عدد من نواب الرئيس في شركة أرامكو لاجتماع بالشركة لعرض الفكرة بمتابعة الإدارة الصناعية ووافقوا عليها بتوسع، فجزاهم الله كل خير. ربما إن سبقنا الزمن بفكرة المركز الثقافي فالتحديات حينها جمّة، وما ذكرت عن دور الغرفة من إنشاء مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) إلا أقل القليل ولأذكره هنا وأسرده بإيجاز للتاريخ.