"على قدر حلمك تتسع الأرض" يبدو أن هذه المقولة لم تكفِ طموحات وأحلام وصل إليها عالم جيولوجي كبير، حين أصبح أيضًا مستكشفًا للكواكب الأخرى التي تدور في الفضاء الفسيح، ولم يكتف بكوكبنا الأزرق فقط، حتى تقلَّد منصب أستاذ البحث العلمي ومدير مركز الاستشعار عن بُعد في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية.
إنه الدكتور فاروق الباز، عالم الفضاء والجيولوجيا في وكالة "ناسا" الأمريكية، الذي لا خلاف على نجاحه ومكانته العلمية العالمية التي وصل إليها، لم يغب عنه النجاح لحظة وتهافتت عليه أكبر الجهات والمؤسسات العالمية للاستفادة من خبراته في علم طبقات الأرض، ويمتلك مكانة مرموقة في وكالة "ناسا" الأمريكية، فهو رائد الدراسة الجيولوجية لسطح القمر.
"اليوم" تحاور العالم الكبير الذي تحدث في القضايا العلمية التي تصدرت المشهد بالآونة الأخيرة، في ملفات التعدين وعلوم الفضاء والزلازل وغيرها.
* ما أبرز الدول العربية التي لديها فرص كبيرة في الاستكشافات التعدينية الجديدة؟ وما فرص المملكة؟
- في نظري أن المملكة العربية السعودية أبرز الدول العربية التي لديها فرص عظيمة لاكتشاف المعادن، والسبب في ذلك يرجع إلى أن غرب المملكة تحدّه جبال الحجاز، وهذه المرتفعات معظمها صخور نارية وبعضها بركانية.
هذه الصخور التي يوجد بعضها أيضًا في الصحراء الشرقية بمصر، اكتشف فيها المصريون القدماء كثيرًا من المعادن النقية، لذا لا بدّ أن يكون مثلها في نفس هذه الصخور بالمملكة.
* ما الاستراتيجيات التي يمكن أن تعتمد عليها السعودية لاستكشاف مزيد من ثرواتها المعدنية؟
- يمكن تحقيق ذلك من خلال العمل على زيادة الاختصاصيين بالجامعات في علوم الجيولوجيا، خاصة علم المعادن وما يوازيه من آفاق عمل المناجم والبحث عن الثروات المعدنية.
هذا الفرع المهم في علوم الجيولوجيا، ترقى فيه جامعات مرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، بالإضافة إلى بعض الدول الشرقية مثل الصين، لذلك أنصح بالاهتمام بمجال علوم المعادن وإرسال البعثات السعودية إلى هذه الجامعات التي تتميز بالتخصص في التعدين وعلم المناجم.
* هل هناك كنوز وثروات تعدينية لم تُكتشف بعد في السعودية، وما تأثير ذلك في مستقبلها؟
- بالفعل توجد ثروات معدنية كبيرة لم تُكتَشف في المملكة، وبالنظر إلى جبال الحجاز الغنية بالصخور النارية والبركانية يمكن تأكيد ذلك.
ومنذ آلاف السنوات وحتى الفترة الحالية تستخرج مصر من الصحراء الشرقية كثيرًا من المعادن، وهو الأمر نفسه في المملكة التي تتكون جبالها من نفس جبال مصر والسودان، فلا بدّ أن يكون في تلك الصخور كميات مماثلة من الثروات المعدنية، وسينعكس ذلك بالتأكيد على زيادة موارد المملكة مستقبلًا.
* ما رأيك في مؤتمر التعدين الدولي الذي عقد أخيرًا في السعودية؟
- تنظيم هذا المؤتمر ممتاز، فلا بدّ من تبادل الخبرات والاستفادة من الدول المتقدّمة في أمور التعدين، وانعقاد مثل هذه المؤتمرات يساعد على تطور هذا المجال وتحقيق أكبر استفادة منه للمملكة والدول الأخرى المشاركة. وأنصح بالحفاظ على عقد هذه الاجتماعات دوريًا كل عدة سنوات.
* ضرب زلزال مدمر تركيا وسوريا، هل ينذر ذلك بموجات أخرى في شبه الجزيرة العربية؟
- أستبعد حدوث موجات للزلازل في هذه المنطقة، فالهزة الأرضية المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا كانت نتيجة لحركة كتلة شبه الجزيرة العربية بأكملها، فهذه الكتلة تتحرك بمعدل مليمترات أو سنتيمترات تجاه الشرق.
وهذه الحركة تؤثر في حدودها، خاصة الحدود الشرقية مع إيران أو الشمالية في تركيا مثلما حدث في الزلزال الأخير، لذلك لن تتأثر شبه الجزيرة العربية.
* ما طبيعة التربة في السعودية، وهل هي مهددة بخطر الزلازل؟
- تغطي أراضي المملكة صخور مختلفة بمواقعها المتنوعة، على سبيل المثال في الغرب توجد جبال من صخور نارية وبركانية، أما في المنتصف فتوجد صخور رسوبية مثل الأحجار الرملية والجيرية.
وتغطي هذه الصخور المستوية الرمال كما في الربع الخالي، وهذا الموقع آمن ولا يهتز أبدًا إلا حال حدوث اهتزاز في غرب المملكة من جبال البحر الأحمر، أو في الشرق من جبال زاغروس غرب إيران.
* ما رأيك في الاهتمام بعلوم الفضاء عربيًا، وهل هناك تقدم في هذا الملف؟
- يمكنا أن نفعل كثيرًا في العالم العربي، وأعتقد أننا لم نستفد كما يكفي بعلوم الفضاء.
مثلاً، الهند أطلقت قمرًا صناعيًا مخصصًا للتعامل مع الفلاحين بكل أطراف الدولة، وأصبح أي فلاح هندي يستطيع أن يطلب صورة لحقوله المزروعة ليتحقق من أحوال المحصول أو حاجته إلى أي مواد إضافية، فكل ما عليه أن يطلب الصورة لحقله في توقيت محدد، لتُرسل إليه على هاتفه الجوال.
ونحن للأسف بعيدون كل البعد عن هذه المراحل المتقدمة للاستفادة بعلوم الفضاء.
أين وصلت المملكة في ملف علوم #الفضاء، وهل هي آمنة من #الزلازل؟
كل هذه التساؤلات وغيرها يجيب عنها عالم الفضاء والجيولوجيا في وكالة #ناسا، #فاروق_الباز، في حوار خاص لـ #اليوم.. انتظرونا غدا pic.twitter.com/zxdqYXuoUR— صحيفة اليوم (@alyaum) February 28, 2023
* كيف ترى مشاركة أول رائد ورائدة فضاء سعوديين في رحلة لوكالة الفضاء الأمريكية؟
- خطوة مهمة للغاية تعكس مدى الاهتمام والرغبة من السعودية في التقدم بهذا الملف، كما أشيد تحديدًا بمشاركة رائدة فضاء، فعلينا أن نفتح المجال أمام المرأة العربية في جميع محافل العلوم والتكنولوجيا.
المرأة هي التي تربي النشء والأجيال القادمة، ويجب فتح الباب أمامها للمشاركة الفعالة، خاصة أنها أثبتت جدارتها في العلوم والتكنولوجيا.
* هل جهود مواجهة أزمة تغير المناخ في العالم كافية من وجهة نظرك؟
- ليست كافية في الوقت الحاليّ على المستوي العالمي، لذلك يلزم الاستمرار في الجهود التي تستهدف مواجهة تغير المناخ، نظرًا إلى خطورة وأهمية الموقف.
* ما أهمية مبادرة السعودية الخضراء، وغيرها من المبادرات العربية في قضية تغير المناخ؟
- ننتج في العالم العربي قسطًا كبيرًا من النفط الذي يمثّل إحراقه خطرًا على البيئة مستقبلًا، لذلك علينا أن نتشارك في الجهود العالمية للإقلال من أخطار تغير المناخ.
لذلك أحيي المملكة العربية السعودية على مبادرتها المهمة، وباقي دول الخليج وكذلك مصر، لمشاركتهم في مبادرات وجهود الحدّ من تغير المناخ، ويجب أن نسهم في الحفاظ على البيئة الملائمة لحياة الإنسان على الأرض.