تداولت قريش ذات مرة أمر محمد «عليه الصلاة والسلام»، وكيف يواجهونه.. وكان عتبة بن ربيعة حليم قريش فانتدبوه ليكلم محمدًا..
أتى عتبة رسول الله فقال: يا ابن أخي، إنك منا، حيث قد علمت من المكانة والنسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر فرَّقت به جماعتهم وسفّهت أحلامهم وعبت آلهتهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا لعلك تقبلها..
فقال الرسول: قل يا أبا الوليد أسمعُ.
قال: إن كنت تريد مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد شرفًا سودناك، وإن كنت تريد ملكًا ملّكناك علينا.. إلخ ما قال، والرسول الكريم منصت يستمع.
فقال: أفرغت يا أبا الوليد؟
قال: نعم.
قال: فاسمع مني.. بسم الله الرحمن الرحيم. (حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ...) ومضى رسول الله يقرأ وعتبة يستمع، ثم انتهى الرسول إلى السجدة فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.
فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.. فلما جلس قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: قد سمعت قولا ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ عظيم، وإن ظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم.. قالوا: لقد سحرك محمد يا أبا الوليد، قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.
ومن دروس هذا الموقف النبوي الكريم:
* هناك مؤلفات ودورات لتعليم فن الحوار وفضيلة الاستماع والانصات، سواء مع الأقرب المتفق أو الآخر المختلف، فالحوار الفعّال وسيلة إلى حل الكثير من المشكلات.
* من المهارات الاجتماعية أن تتعلم كيفية الإنصات إلى من يحدّثك حتى لو كان خصمك، حتى يفرغ ثم تسمعه رأيك.
* أقبح الناس من يرفع صوته عند النقاش، ويقوِّل خصمه ما لم يقل.
* عتبة ـ أبو الوليد - رغم أنه لم يُسلم؛ لكنه كان رائعًا في إنصافه لما تحدث عن القرآن والرسول، حينما سأله قومه، لم يحمله اختلافه على اختلاق الكذب، ولم يجنح إلى مذهبه في الطعن في القرآن.. وهي رسالة إلى المُحاور الجيد، بألا يحمله اختلافه عن الخروج عن الموضوعية والصدق.
* في القرآن أقوى الحجج وأكبر البراهين في الرد على الكافرين وسائر المخالفين.
* السُّنة النبوية كنز عظيم في دروس الحياة ومهاراتها.. نقترب من الإسلام بقدر قربنا منها ونبتعد بقدر بُعدنا عن منهجها.
* قفلة..
قال أبو البندري «غفر الله له»:
ثقافة الإنصات ثقافة منسية في حياتنا، أثّر عليها الثرثارون الذين يرون أنهم محور الكون بسوالفهم وبطولاتهم الكلامية!
@alomary2008