ابتداء، لست أملك حسابا شخصيا لا في «تيك توك» ولا في «السناب»، فقد اكتفيت بتطبيق واحد وهو (توتير) من أجل الاطلاع على أحوال العالم والمستجدات الضرورية، وحتى لا ينعزل الإنسان عن محيطه تماما، بل ليعرف ما يحدث من أخبار مهمة سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو قضايا الشأن العام.
ولكن ما أشاهده من بعض المقاطع المرئية التي تأتيني من الأصحاب والأصدقاء أو موجودة على توتير (مقاطع فيديو)، استغرب أن فئات من الناس صارت تبحث عن شهرة بشكل جنوني، بحيث تعرض أو تتحدث في سفاهة وحماقة، وفيما لا يصلح أو يُعقل، وكل ذلك من أجل خاطر المتابعين وكسب إعجابهم، وتلك معضلة كبيرة في طريقة التفكير. فمع مرور الوقت والتكرار سينزلق آخرون في نفس الطريق من قلة للعقل، أو عرض ما يخدش الحياء والأدب سواء لفظا أو عملا.
ها هنا لست أبحث عن التنظير، أو أن يقال: كاتب يتفلسف؟!، كلا، ولكن الذوق والأدب والحياء في العلن لا بد أن يكون له حدود ومقياس، لأن سفاسف الأمور وانتشارها لا تظهر فجأة، هي تراكمات تبدأ صغيرة،ثم تكبر وتزداد ككرة الثلج. وبعد ذلك، ننتقل إلى مرحلة الاستمراء بمعنى ما كان بالأمس (عيبا) يصبح اليوم مقبولا! وبعد غد، تتطور المسألة حيث لا بد من عرض المزيد والأكثر جرأة، والأقل حياء وأدبا من أجل عيون المتابعين!! لأنهم يريدون المزيد والجديد، ويصبح لا سقف لقلة الأدب والذوق والسفاهة والطيش.
انظروا مثلا إلى الجيل الأمريكي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وتأملوا كيف أصبح حالهم اليوم! فليس عندهم حاليا مقياس للأدب أو الحياء أو الفضيلة، والسبب عدم وجود سقف محدد ومقبول، فكل شيء ممكن أن يحدث في مرحلة ما بعد الحداثة حيث تمييع أي قيمة أخلاقية أو سلوك اجتماعي. وهذا لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل التغيير يبدأ تدريجيا وبدرجة ميلان طفيفة، ثم يتوسع الفارق حتى نتفاجأ اليوم أن البعض منهم يبحثون عن لفظ مناسب أو مصطلح مرن! وجديد لا يميز بين الذكر والأنثى وغيرهما!! بحجة المساوة وعدم التحييز والتمييز، فهل يأتي زمن يطلقون ضمير (It) على الذكر والأنثى وأشباههما! والحيوان والشجر وكل شيء بحجة المواساة وعدم التمييز.
أعلم ولله الحمد أن الدين والقانون وعاداتنا الحميدة تُلجم الكثير من التصرفات الممجوجة والخادشة والتافهة، ولكن هناك بعض الأفعال والألفاظ التي ينبغي الوقوف عندها طويلا حين نرى سفاهة أو حماقة أو قلة أدب وحياء على مواقع التواصل. وقد نكون نحن جزءا من المشكلة حين نتابع مثل هؤلاء، ونعلق سلبا أو إيجابا فينتشر المشهد المرئي بين الناس، ويزداد هؤلاء شهرة وظهورا.
في السابق كان يُنقل لنا سماعا لا مشاهدة أن فلانا سفيه! لأنه فعل كذا أو قال كذا في مجلس أو مكان عام، وأما اليوم فصارت هذه الأمور تُنقل مباشرة على أعين الناس، والبعض للأسف قد يتبجح أو يفتخر ويدافع عما يفعل أو يقول حشفا وسوء كيلة (وبالعامية: شين وقوي عين)، فسبحان مغير الأحوال.
صحيح أنه ما زال في الناس خير كثير، وهناك من يستحي مروءةَ أن يقول أو يفعل شيئا يخدش الحياء أو فيه سفاهة أمام الملأ ومباشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن الإشكالية مع تكرر البعض لمثل هذه التصرفات الخادشة للحياء أو فيها إسفاف قولا أو فعلا فقد يتأثر الجيل الحالي، وتتغير المعايير، فما كان بالأمس مستغربا وغير مقبول يصبح اليوم: (عادي ما فيها شيء)؟!
والخلاصة، صدق رسولنا عليه الصلاة والسلام حين قال: «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» .
abdullaghannam@