الحيوانات المفترسة الضخمة لها تأثير بالغ على الأنظمة البيئية التي تعيش فيها، غير أن جهود الحفاظ على هذه الحيوانات تواجه تحديات كبيرة، لاسيما عندما يتعرض البشر لهجمات تلك الضواري.
ويرجع الباحثون أسباب الصراع بين الإنسان والحيوانات المفترسة إلى سيناريوهين مختلفين، أولهما زيادة تعداد البشر في بعض مناطق العالم، مما يضطر السكان إلى توسيع البقعة العمرانية على حساب المناطق البرية التي تعيش فيها هذه الحيوانات.
وثانيها، زيادة أعداد البشر والحيوانات بشكل متواز في منطقة ما، لا سيما في المناطق التي هربت منها هذه الحيوانات في مراحل سابقة قبل أن تعود إليها مجددا وتبدأ في التكاثر فيها، بحيث ترتفع أعدادها من جديد.
هدر المواطن الطبيعية
أجرى فريق بحثي مشترك تحت إشراف جوليا بومبيري من متحف "ميوز" للعلوم في إيطاليا دراسة تتناول هجمات الحيوانات المفترسة على البشر خلال الفترة ما بين 1950 حتى .2019.
وسجل الفريق، خلال تلك المدة، 5440 هجومًا للحيوانات من فصائل الكلبيات والسنوريات والدبيات علاوة على 12 فصيلة أخرى في أنحاء العالم.
وأشارت الدراسة، التي أوردتها الدورية العلمية "بلوس"، إلى أن البشر عدلوا طبيعة استغلال مساحات من الأراضي تتراوح ما بين 50% و70% من كوكب الأرض.
وأوضحت أن هذه التغييرات لم تؤد فحسب إلى هدر في المواطن الطبيعية أو التنوع البيولوجي، بل غيرت أيضًا من سلوكيات الحيوانات التي تكافح للبقاء في ظل النزوح والتشرذم وانعدام مواطنها الطبيعية.
وأوضح الباحثون أن الهجمات التي سُجلت خلال فترة الدراسة كانت في تزايد، وأن أغلبها وقعت في الدول ذات الدخل المنخفض.
وذكروا أن 68% من هذه الهجمات تسببت في إصابات للبشر وأن 32% منها كانت مميتة.
وأضافوا أنه بالرغم من أن هذه الهجمات تتنوع باختلاف فصيلة الحيوان والمناطق الجغرافية، فقد وجدوا أنها يمكن تصنيفها أيضًا في إطار اجتماعي واقتصادي، بمعنى أن البشر في الدول الفقيرة يتعرضون لمثل هذه الهجمات أثناء القيام بأنشطة تتعلق بالعمل، في حين أن سكان الدول الغنية يتعرضون لها أثناء القيام بأنشطة ترفيهية.
وعمد الباحثون إلى تجميع المادة العلمية الخاصة بالدراسة من الدوريات العلمية ورسائل الدراسات العليا والتقارير الإخبارية والمواقع الإلكترونية ومحركات البحث المختلفة.
سيناريوهات مختلفة
توصل الباحثون إلى وجود 7 سيناريوهات مختلفة وراء هجمات الحيوانات المفترسة على البشر، شملت: ردود الفعل الدفاعية من الحيوانات، مثل شعور الأم بتعرض صغارها للخطر، والهجمات الناجمة عن المواجهات غير المتوقعة بين البشر والحيوان من مسافات قريبة، والهجمات المتعلقة بالغذاء، مثل الهجمات على البشر بغرض التهامهم أو دفاعًا عن الفريسة بعد اصطيادها.
وتضمنت كذلك: الهجمات الناجمة عن استفزازات البشر في حالة شعور الحيوان بالخطر، إضافة إلى الهجمات لأغراض استكشافية مثل مهاجمة الحيوان للبشر، بغرض التعرف على ما إذا كان يصلح كفريسة محتملة، وأخيرًا الهجمات التي تصدر دون استفزازات مسبقة.
ووجد الباحثون أن طبيعية وعدد الهجمات التي قد تشنها فصيلة معينة قد تختلف باختلاف المنطقة التي تعيش فيها، حيث تبين أن هجمات الذئاب في أوروبا وأمريكا الشمالية لم تتجاوز 25 هجومًا خلال آخر 70 عامًا، في حين وصل عدد هجمات الذئاب في الهند إلى 300 على الأقل خلال نفس الفترة.
واتضح أيضًا أن هجمات النمور على البشر في مناطق خليج البنغال وكشمير كانت بغرض الافتراس والغذاء، في حين أن النمور هاجمت البشر في روسيا والهند بغرض حماية النفس او الصغار.
وأظهرت الدراسة أن 65% من هجمات السنوريات الضخمة مثل الأسود والنمور تسببت في وفاة الضحايا، تليها هجمات الكلبيات بنسبة 49%، وأخيرًا هجمات الدبيات التي تسببت في 9% فقط من الوفيات.
وأرجع الباحثون السبب في ذلك إلى أن معظم هجمات السنوريات تكون بغرض الافتراس والالتهام، في حين أن هجمات الدببة مثلًا تكون لأغراض الدفاع عن النفس، إذ جاءت 45% من هجمات الدببة بسبب المواجهة غير المتوقعة مع البشر و18% للدفاع عن الصغار، و16% لأسباب تتعلق بالغذاء مثل الدفاع عن الجيفة أو في حالات مواجهة البشر بشكل مفاجئ أثناء الصيد.
الهجمات المميتة
وتوصلت الدراسة إلى أن معظم الهجمات المميتة التي يتعرض لها البشر من الحيوان تقع في الدول ذات الدخل المنخفض، بنسبة 85%.
وأرجعت أسباب هذه الملاحظة إلى أن السنوريات الضخمة مثل الأسود والنمور تعيش في هذه المناطق الفقيرة مثل أفريقيا وشبه الجزيرة الهندية، كما أن فرص العلاج وإمكانيات نقل الضحايا للمستشفيات تكون أضعف في الدول الفقيرة مقارنة بالدول الغنية، وبالتالي تتراجع فرص نجاة الضحايا بعد تعرضهم لهذه الهجمات.
وكشفت الدراسة أيضًا أن أنشطة البشر أثناء التعرض للهجوم تختلف من منطقة لأخرى، بمعنى أن 48% من الهجمات المميتة في الدول الغنية وقعت أثناء القيام بأنشطة ترفيهية بواقع 604 هجمات، وأن 89% من الهجمات في الدول الفقيرة بواقع 2230 هجومًا وقعت أثناء أنشطة العمل المختلفة مثل الزراعة والري والصيد وجمع ثمار الغابات.
وتسلط تلك الهجمات الضوء على ارتباط هجمات الحيوانات بالظروف الاقتصادية والاجتماعية المختلفة في كل دولة، والتي يمكن ربطها بشكل أو بآخر بارتفاع وانخفاض معدلات الدخل في كل دولة.