لا تزال الصين تناقش الأزمة السكانية التي تمرّ بها، مع استمرار انخفاض عدد المواليد بها سنويًا وبروز توقعات بمزيد من القصور الإنجابي خلال العقود القليلة المقبلة، لتضع التنين الآسيوي أمام أزمة ديموغرافية قد تضيع مكانته العالمية التي اكتسبها بمشقة عبر عشرات من السنين.
وفيما شهد العام الماضي التراجع الأكبر في نسبة المواليد منذ عقود، فإن الحكومة تحاول جاهدة العثور على حلول عملية لتطبيقها، حتى لا تفقد ثروتها البشرية سريعًا.
أزمة تهدد البلاد
يعد انخفاض عدد سكان الصين أحد أهم الأخطار التي تهدد الدولة في وجودها ومكانتها كقوة بين الدول الكبرى في العالم.
وتنقل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن فريق أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية توقعهاتهم بحدوث انخفاض في متوسط عدد السكان بالصين تُقدر نسبته سنويًا بـ1.1% بدءًا من وقتنا الحاليّ، ما سيؤدِّي إلى انخفاض عدد البشر بها إلى 587 مليونًا فقط، بحلول عام 2100، أي أقل من نصف العدد الموجود اليوم.
وهذا يعني تقلّص نسبة الأيدي العاملة في البلاد، مقارنة بزيادة عدد المسنّين ممن يحتاجون إلى إعالة تكلف الدولة كثيرًا.
تحول تاريخي لثاني أكبر اقتصاد في العالم.. انخفاض عدد سكان #الصين بمقدار 850 ألفًا في 2022 وتعد المرة الأولى من نوعها منذ أوائل الستينيات#اليوم pic.twitter.com/jMD0zOlpyG— صحيفة اليوم (@alyaum) January 17, 2023
وفي حين يقابل كل 20 شيخًا صينيًا 100 من الشباب حاليًا في البلاد، فإن التوقعات تشير إلى تغيّر تلك النسبة بعد 80 عامًا، إذ سيوجد مقابل كل 100 شاب 120 مسنًا، وهو ما سيشكل عبئًا هائلًا على الاقتصاد الصيني وقتها.
وسيُطلب من الصين توجيه مزيد من مواردها الإنتاجية إلى توفير الخدمات الصحية والطبية ورعاية المسنين لتلبية مطالبهم المتزايدة بسبب نمو أعدادهم، غير المعاش الذي تدفعه الدولة لهم والمتوقع وصوله إلى 20% من إنتاجها بحلول عام 2100 إذا استمر النمو السكاني في الانكماش بهذا الشكل بحسب توقعات مركز دراسات السياسة بجامعة فيكتوريا في أستراليا، وهو ما سينتهي بها إلى دولة فقيرة لا تكفي حاجتها.
تشجيع الإنجاب.. حل لم يُفلح
بدأ الحل الأول المطبق فعليًا لحل أزمة تناقص السكان في الصين عام 2015، حين ألغت الدولة سياسة الطفل الواحد المفروضة منذ 1979، والتي كانت تُقصر السكان على إنجاب طفل واحد فقط في محاولة التخفيف من العبء السكاني.
لكن يبدو أن الصينين اعتادوا قلة الإنجاب، فبعد عامين من تطبيق سياسة الطفلين، لم يزد معدل السكان بالقدر المطلوب، إذ شهد عام 2017 انخفاض المواليد بنسبة 0.52% عن العام السابق له، حسب مكتب الإحصاءات الوطني الصيني، ومنذ ذلك الحين ظل الانخفاض ملازمًا للبلاد.
وفي 2021 قررت السلطات الصينية زيادة عدد الأطفال المسموح بولادتهم إلى 3 بدلًا من 2 حين لم تُجدِ سياسة الطفلين، بعد أن أظهرت التقارير انخفاضًا حادًا في عدد المواليد سنويًا حتى وقت تطبيق القانون الجديد.
ومع نهاية 2022 حين كانت السلطات الصينية تأمل في نجاح حلها الأخير، وتنتظر زيادة مواليد سكان البلاد، وجدوا صدمة كبير غذ أفادت تقارير المكتب الوطني للإحصاء بتراجع معدل المواليد العام إلى مستوى بالغ الانخفاض عن السنين السابقة، وهو 6.7 مولود لكل 1000 شخص.
حلول مستمرة لأزمة السكان
يحاول المسؤلون في الصين إيجاد حلول جديدة لإيقاف تناقص المواليد المستمر من سنين، قبل الوصول إلى نقطة انهيار الدولة.
ويقترح مندوب المؤتمر الاستشاري السياسي الصيني تشاو دونغلينغ، تكفُّل الحكومة بتعليم الطفل الثالث للأسرة مجانًا في المرحلة الجامعية، لكل طفل يولد بعد عام 2024، ترغيبًا في إنجاب مزيد من الأطفال.
كما يأتي إدراج علاج العقم في نظام التأمين الصحي العام، ضمن المقترحات التي تسعى إلى زيادة نسبة المواليد، والتي تنادي بها لو وي يينغ عضو الهيئة الاستشارية السياسية الأعلى.
وإلى جانب ذلك فإن الحكومة تحاول طرح حوافز لتعزيز النمو السكاني، بما في ذلك توسيع إجازة الأمومة، ومنح مزايا مالية وضريبية لإنجاب الأطفال.