نمطية الحياة جعلت منا خلفا لسلف، هو إرث متتابع ومتبع، لذا كان دور الكبار له أثره في جميع مناحي الحياة على الأجيال الأصغر، كالتربية والتعليم والعمل والتجربة وغيرها، وحتى الصيت والتبعية والشهرة إن لزم ذكر الأمر، وحتى في الاقتصاد، تعتبر الشركات العائلية لها نفوذها الكبير في كل بلد تتواجد فيه وهي مستقرة جيلا إثر جيل، هكذا يولد من لديهم ملعقة ذهبية، يأخذون حظهم من جد قد نال حظا عظيما بعد قصة نجاح كبيرة.
هذا الأمر الذي يعتبر من المسلمات تغير مفهومه بالكامل في العصر الذي نعيش فيه، فهناك من يجد ملعقته الذهبية بين التطبيقات الرقمية، سواء بابتكار تطبيق يحقق له المجد والثروة أو من خلال استخدام التطبيق والتواجد فيه ليحقق الغنى والشهرة، ونحن نعيش بين ثورتين الرابعة والخامسة بهذه السرعة المتلاحقة وغير المبررة، والتي سرعتها جائحة كورونا، مستفيدين من الذكاء الاصطناعي وأدواته، فهذا بحد ذاته يعتبر فرصة كبيرة للإنسان الذي يعيشها، فرصة قد لا تتسنى لغيره من الأجيال القادمة، ومنها يمكن أن نفهم كيف بهذه السرعة التي تتشكل بين الثورتين أن يكون شخص عادي أو حتى عاطل وغير نافع «ثريا»، فنحن في زمن تسقط فيه كل المقومات المعتمدة للنجاح بضربة حظ واحدة، غير معول على خلفيته ولا عائلته ولا ثروته، لذا نحن في زمن تتغير فيه حتى الاعتبارات والعرف المتبع، وقد يكون هناك منهج قادم يتطور بالتغيير النهجي له.
بحسب الشركة الألمانية للبيانات «Statista» في إحصائياتها «رؤى السوق الرقمية» فقد بلغ إجمالي إيرادات عامة التطبيقات في العالم قرابة 491 مليار دولار أمريكي حتى الربع الأول من هذا العام، وكانت قد سجلت في العام المنصرم نحو 431 مليار دولار، وقد بلغت إيرادات الشراء نحو 210 مليارات دولار، وأما عائدات الإعلانات فبلغت نحو 221 مليارا. فالتطبيقات الرقمية التي وصلت في 2008 إلى 500 تطبيق فقط، صارت جزءا من البرنامج اليومي لكل فرد في العالم اليوم بالذات بعد الجائحة وقد تكاثرت ولا يمكن إحصاؤها، ففي الصين فقط هناك ما يفوق 5 ملايين تطبيق، ووفق «ستاتيستا» فالصين الآن تهمين على 40% من سوق التطبيقات العالمية، بل تفوقت الصين حتى في حصتها في إيرادات سوق التطبيقات حيث حققت نحو 157 مليار دولار من إجمالي العائدات المذكورة، هذا مع العلم أن سوق الألعاب وهو المتصدر في عمليات الشراء، والصين تتبع سياسة صارمة في هذا المجال واتخذت قرارات في عام 2021 بإغلاق عدد من شركات تطوير الألعاب ومنع التطبيقات على أرضها. ولكنها تظل تتصدر سوق التطبيقات عالميا وتأتي بعدها الولايات المتحدة ثم اليابان ثم كوريا الجنوبية وبعدها المملكة المتحدة.
بالطبع هذه النقلة الكبيرة في السوق الرقمية لم تكن للتطبيقات المبتكرة فقط نجاحها وعوائدها، بل هناك الكثير من الشركات والمؤسسات والتجار الذين نجحوا كثيرا من خلال اعتمادهم على السوق الإلكترونية وابتكار تطبيق يسهل عليهم الوصول إلى أكبر عدد من العملاء وبالتالي تحقيق عوائد ما كانوا ليحققوها في السوق التقليدية، بل حتى العاملين خلف تلك التطبيقات أو مشغليها يعتبرون أنهم يحصلون على رواتب أفضل من العمال في الدوامات العادية، فبكل المقاييس هذه الصناعة بكامل ما تنتجه تحول صاحبها إلى ثري أو على خط الثراء من دون أن يرث ثروة عائلته، إنها تعمل حتى على التفاوت الطبقي وتشكيل طبقة لا أساس لها ولا معايير في المجتمع.
@hana_maki00