ابتسامة تعلو وجهها وشغف بالقراءة ينبع من صدر مسنّة شارفت على التسعين عامًا، وهي تمسك المصحف تتلو منه ما تيسر من كلام الله، بعد أن أتمَّت المرحلة الأولى من تعليمها في برنامج محو الأمية.
87 عامًا لم تكن كافية لتنسي الحاجة زبيدة حلمها القديم بتعلّم القراءة والكتابة، فبعد أن أنهكتها الحياة في مسؤلياتها المتضمنة تدبير أمور أسرتها الكبيرة، وجدت أخيرًا متسعًا لتدارك ما فاتها، بعد أن أتمَّت رسالتها وعلَّمت جميع أبنائها ومن قبلهم إخوتها، رغم ما مرت به من تعنت ورفض أمام رغبتها في التعلم منذ صغرها.
القصة الملهمة للحاجة زبيدة لم تكن لتمر دون أن تصبح رمزًا للسعي الجاد لتحقيق الحلم والرغبة الحقيقية للتعلم، فيحتفي بها العالم ضاربين بها المثل في المثابرة.
من الحاجة زبيدة؟
الحاجة زبيدة سيدة مصرية من سكّان قرية دكما في محافظة المنوفية، والدة لـ8 أبناء وجدة لـ13 حفيدًا.
نشأت في منزل محافظ في زمن كان خروج الفتيات فيه من منازلهن للتعليم محظورًا في أغلب البيوت الريفية، وهو ما جرى عليها كما بنات جيلها.
Zubaida Abd Elaal is an 87-year-old Egyptian grandmother of 13 who has learned to read and write pic.twitter.com/G72kiujsjH— Reuters (@Reuters) February 27, 2023
تقول الحاجة زبيدة إن رغبتها في الالتحاق بالمدرسة للتعلم مثل إخوتها البنين قوبلت برفض من والدها، الذي أصر أن خروج البنت من المنزل للمدرسة لا يصح، فأجهضت محاولاتها للتعلم في سنها الصغير.
كبرت الحاجة زبيدة ولم تنس حلمها بالتعلم، وبعد زواجها أفصحت عن رغبتها القديمة لزوجها في الالتحاق بالمدرسة، لكنه كان كوالدها، رافضًا للفكرة تمامًا، ليخيب أملها مرة أخرى، وتنشغل في تدبير أمور منزلها.
الحاجة زبيدة تحقق ذاتها في شقيقاتها
رغم ما قوبل به سعي الحاجة زبيدة إلى التعلم من رفض قاطع من الأب أولًا ثم الزوج ثانيًا، إلا أنها حاولت جهدها أن تحقق حلمها، وإن لم يكن لها فلغيرها، فبعد وفاة والدها، أصرت على تعليم شقيقاتها الصغريات، حتى لا يتجرعن مرارة ما ذاقته من انعدام تعلم ووقفت تساندهن حتى أتممن تعليمهن.
الحاجة زبيدة عندها 87 سنة واتعلمت القراية والكتابة عشان أبوها كان شايف تعليم الستات "خطر"، وعلمت بناتها وكانت بتبيع حاجات قدام سور المدرسة عشان تخلي بالها منهم. يا ترى الست دي كانت ممكن توصل لإيه لو اتعلمت، ويا ترى فيه كام زبيدة غيرها.
سقفة لتيتة القمر.https://t.co/AXu0Lq2WNM— Mai Shams El-Din (@maishams) February 27, 2023
وحين أنجبت الحاجو زبيدة أبناءها، وضعت جهدها في تعليمهم، إلى جانب ما توليه من رعاية للبيت ومساعدة زوجها في زراعة الأرض، حتى وصلوا لدرجات عالية من السلم العلمي وحصل بعضهم على درجة الماجستير.
وبعد إتمام رسالتها، وجدت أخيرًا متّسعًا من الوقت لتحقيق حلمها القديم، فالتحقت في سن الـ87 ببرنامج محو الأمية التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، لتبدأ رحلتها التعليمية وقد شارفت على التسعين.
احتفاء عالمي بالحاجة زبيدة
لم تكد قصة كفاح الحاجة زبيدة في سبيل التعلم تنتشر، حتى اصبطغت بالعالمية لتكون مصدر إلهام للكثيرين، ويحتفي بها المؤثرون حول العالم.
فنشرت نجمة هوليوود، أنجلينا جولي، صورة للحاجة زبيدة عبر خاصية الـ"استوري" على حسابها بإنستجرام، مكتفية بها دون تعليق، دعمًا لها في رحلتها، وحصدت أكثر من 14 مليون مشاهدة قبل أن تنتهي مدة عرضها.
وقبلها احتفت الكاتبة التركية إليف شفق بالحاجة زبيدة عبر منشور كتبت فيه "هل تشعر بالتعب؟ تشعر أنك تواجه الكثير ومن الصعب العثور على الدافع والطاقة للاستمرار؟ ألق نظرة على هذه المرأة الرائعة. اسمها زبيدة، تبلغ من العمر 87 عامًا، وهي جدة لـ13 حفيدًا. حُرمت طوال حياتها من التعليم، ولم تُمنح أبدًا فرصة لتعلم القراءة والكتابة. بدأت هذا العام رحلتها التعليمية باشتراكها في مدرسة لمحو الأمية بالقاهرة".
وغيرهما، تسارعت الحسابات على السوشيال ميديا لتقديم الدعم للحاجة زبيدة، والاحتفاء بها كمصدر للأمل رغم انقطاع الأسباب.
تكريم مصري للحاجة زبيدة
قبل تكريم الحاجة زبيدة المعنوي على مستوى عالمي، قدمت الحكومة المصرية دعمها لها بتكريم من محافظ المنوفية، وهي المحافظة التي تسكنها الحاجة زبيدة، في الـ18 من يناير الماضي.
وخلال اللقاء أهدى المحافظ، السيدة زبيدة، مصحفًا، وشهادة تقدير هدية تذكارية، كونها أحد النماذج المشرفة في الإصرار والعزيمة، كما أمر بصرف مكافاة مالية وهدايا عينية لمساعدتها على استكمال مسيرتها التعليمية.