أكدت ندوة "الأزياء السعودية.. تاريخ وأصول"، التي أقيمت بمعرض الشرقية للكتاب 2023، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة ضمن فعاليات مهرجان الكتاب والقراء في نسخته الأولى، أن التراث كان وما زال الواجهة لأي هوية ثقافية، وما زالت الأزياء هي العامل الأول في البحث عن تاريخ أي حضارة.
واستضافت الندوة كلًا من: المصمم عبد الرحمن العابد، والمهتمة بالتراث ريم البسام، والمصممة مناهل القاسم، وأدارتها ريم المالكي.
وفي بداية الندوة استعرضت البسام أصل الملابس التقليدية في المملكة، والتي تعتبر امتدادًا لملابس العرب في شبه الجزيرة العربية منذ صدر الإسلام، وما قبله وما تلاه من العصور، وقالت: "يتسم لبس العرب أنه فضفاض يتماشى مع ظروف الحياة الاجتماعية والبيئة الصحراوية، يغطي كامل الجسد، معتمدًا على غطاء الرأس للوقاية من الشمس والأتربة، وهو متعدد الطبقات".
وأضافت: "تأثر العرب بالمجتمعات التي خالطوها من بعد الفتوحات الإسلامية، وتنوعت الأزياء والأقمشة وأساليب اللبس والتطريز"، موضحة أن الدولة السعودية الأولى رغم قلة المصادر للملابس، فإنها امتداد للملابس العربية في العصور الإسلامية، وشبيهة بما جاء من بعدها.
تنوع أزياء النساء
سلطت البسام الضوء على ملابس الإمام عبد الله بن سعود، آخر أئمة الدولة السعودية الأولى، قائلة: "يعطينا تصورًا لما كانت عليه ملابس الدولة السعودية الأولى، معتمدة على بشت "البرقا" وعصابة فوق الرأس "الغترة"، وكذلك الثوب المرودن، أما الأزياء النسائية فتنوعت مع تأسيس الدولة السعودية الأولى، وكان لكل منطقة زيها الخاص، منها قطعة "المقرونة"؛ وهو منديل أسود يُطوى مع وسطه ليكون على شكل مثلث، ثم تقوم المرأة بلفه على رأسها، وكانت ترتديه النساء في شمال المملكة، و"الشيلة" وهي قطعة من القماش الأسود تزين أطرافها بخيوط مختلفة من الألوان، أو أنواع من الخرز، وتثبت بعصبة ذات لونين "أصفر أو أحمر"، وكانت ترتديها المرأة في جنوب المملكة، و"المخنق" وهو عبارة عن قماش حريري شفاف مصنوع من الشيفون أو التل، يُخاط بالكامل عدا فتحة تطويق الوجه".
واستطردت: "كان هذا اللباس مخصصًا للخروج من المنزل، كما كانت تلبسه الفتيات الصغيرات، وترتديه النساء في وسط المملكة، و"البطوله" غطاء للوجه كاملًا باستثناء فتحة العينين، وكانت ترتديه النساء الكبيرات في السن، ويُصنع من قماش غليظ ويُصبغ بالنيلة، وهو مبطن من الداخل، كان يلبس في شرق المملكة، وكذلك "المسدح" وهو عبارة عن ثوب فضفاض لا يظهر معالم الجسد، ويتكون من خمس قطع مختلفة المقاسات، تُثبت مع بعضها حتى تخرج بشكل نهائي، يصنع من الأقمشة السادة أو المنقوشة، وكانت ترتديه المرأة في غرب المملكة".
وأشارت البسام إلى أن الحياة الاجتماعية بعد ظهور النفط، وخروج النساء للعمل والتعليم، تغيرت وتغير معها نمط ملابس نساء المملكة، أما الرجل فظل محافظًا على لباسه الوطني، "كان عمال أرامكو يرتدون الغترة على لباس العمل"، وأكملت حديثها: "في السنوات الأخيرة وجدنا كثيرًا من النساء عُدن لملابس التراث الوطني، كما نرى الآن في المناسبات الوطنية "يوم التأسيس" الذي أعاد لنا الملابس السعودية الأصيلة التقليدية، مع جهود وزارة الثقافة وهيئة التراث وهيئة الأزياء لحفظ هذا التراث ونشره، كما أن كأس السعودية للخيل كان له دور في إظهار الزي السعودي التقليدي بشكل جميل وعصري".
وأضافت البسام: "ظهرت لنا صور للإمام عبد الرحمن بن فيصل، والد الملك عبد العزيز -طيب الله ثراهما- يرتدي الشماغ الأحمر عام 1902 تقريبًا في الكويت، أما الثوب "المنيخل" فوصلت لنا صور للأميرة نورة بنت عبد الرحمن بن فيصل، شقيقة الملك عبد العزيز، وهي ترتديه، وكان باللون الأخضر، ويلبسه نساء نجد فوق الدراعة أو "المقطع"، ويسمى "منخل" لأنه مصنوع من قماش التل وفيه ثقوب ويأتي باللون الأسود عادة".
انطلاق معرض #الشرقية للكتاب في رحلة ثقافية تجمع بين الأدب والفنون#اليوم pic.twitter.com/MBcydzeDuY— صحيفة اليوم (@alyaum) March 2, 2023
زي المرأة عنوان موطنها
من جانبها، أكدت القاسم أن أزياء المرأة في وقت تأسيس الدولة السعودية اعتمدت على الخامات والأقمشة الطبيعية، كما رُبطت بالمواسم والمناسبات، مثل عباءة "دفة الماهود" التي كانت تُخصص لجهاز العروس، وتزين بخيوط الحرير السوداء، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الأزياء تعكس أسلوب حياة وتتعلق بالأجواء ونوع التطريز والألوان والزهور.
وبينت أن غطاء الرأس بين النساء كان وسيلة معرفة منطقة النساء؛ فنساء الشمال يختلفن عن نساء الجنوب في غطاء رؤوسهن، وعن نساء الشرقية والوسطى والغربية كذلك، وطالبت بالتحول الرقمي في مجال الأزياء؛ لاستدامة هذا الموروث الثقافي للأزياء التقليدية، ويكون هناك مرجع رقمي للمهتمين، وبناء قاعدة بيانات من خلال رقمنة التراث بشكل عام، والأزياء بشكل خاص، وأن تكون هناك متاحف رقمية وترميم المخطوطات والمنازل التراثية عن طريق الذكاء الاصطناعي.
تطوير الزي التراثي
فيما يرى العابد أن ملابس المملكة التراثية تتأثر بالمناطقية، قائلًا: "ملابس أهل نجد خفيفة وفضفاضة وواسعة مثل "المرودن" والشماغ خفيف، وبراقع النساء تختلف بحسب المناطق وقبائل الجزيرة العربية، ما يدل على التنوع الثقافي في الجزيرة العربية، وهناك أيضًا بُعد ثقافي من ناحية الألوان، رغم الأمية المنتشرة آنذاك".
وأضاف: "يجب التفريق بين التراث والإرث والموروث في الملابس التقليدية"، وطالب بتسويق الملابس السعودية التراثية من خلال الأفلام التي تتبناها هيئة الأفلام، وقال: "يجب أن نبدأ بتصدير تراثنا من خلال الأفلام والمسابقات الدولية مثل "كأس السعودية" للخيل، أو سباقات الفورمولا ورالي داكار، لا سيما أن قطاع الأزياء قطاع واعد بالمملكة، وحجم السوق قرابة 7 مليارات ريال، وكذلك تفعيل الملكية الفكرية للمصممين السعوديين وحماية أعمالهم التي قد يؤدي غيابها إلى عزوف كثير من المصممين السعوديين عن هذا القطاع".
وطالب المشاركون في الندوة بإدخال موضوعات الأزياء السعودية التراثية في المناهج الدراسية؛ ليتعرف الجيل الحالي على أنواع الملابس، والأزياء السعودية التراثية، والاعتزاز بها، وتفعليها من خلال ارتدائها في المناسبات، مطالبين أيضًا بمسابقات تُعنى بتطوير الزي السعودي التراثي بين المصممين والمصممات السعوديين.