كُثر هم من يتعلمون في ظروف مهيأة وأجواء مناسبة، توفر الراحة التي تساعدهم على السير في طريق العلم، وكٌثر من لا يتعلمون أو تقف رحلتهم الدراسية عند حد، لما يلقونه من صعوبات معيشية تقف حائلًا بينهم وبين استكمال تعليمهم.
لكن قلة هم من لا يرضون بفرض واقع عليهم مخالف لإرادتهم في تلقي العلم، فيمهدون الطريق لأنفسهم حتى يحصلوا ما فاتهم، ويدركوا الدرجة العلمية التي يطلبونها، وقد يطول الوقت بهم حتى تتذلل تلك العقبات، فيبدؤون أو يستكملون رحلتهم وقد تمكّن الشيب منهم، وبلغوا من العمر مبلغه.
ولا تنقطع أخبار من أكملوا تعليمهم في سن متأخرة عبر مختلف بلدان العالم، وتأتينا بذلك أخبار من الغرب والشرق، لكن هذا العام كان شيوخ التعليم فيه من العرب.
إذ شهد مطلع 2023 بروز قصص لثلاثة شيوخ تخطوا الـ80 عامًا وهم مصرّون على إكمال دراستهم والتحصيل من العلم بقدر ما يستطيعون.
الحاجة زبيدة.. لماذا حازت مسنة في الـ87 على اهتمام العالم؟ https://t.co/Tb7rWve1Fb pic.twitter.com/PfsYD3xXNH— صحيفة اليوم (@alyaum) March 5, 2023
الحاجة زبيدة.. بدأت التعليم في الـ 87
87 عامًا من الجهد والتعب عاشتها الحاجة زبيدة مخلصة في رعاية أسرتها والعمل لمساعدة زوجها وتربية أبنائها، مضمرة في نفسها رغبة قديمة في التعلم.
ورغم ما قُوبل به سعي الحاجة زبيدة إلى التعليم من رفض قاطع من الأب حين كانت طفلة أولًا، ثم الزوج بعد أن تزوجت ثانيًا، فإنها حاولت جهدها أن تحقق حلمها، بقدر ما استطاعت، وإن لم يكن لها فلغيرها، فبعد وفاة والدها، أصرت على تعليم شقيقاتها الصغريات، ووقفت تساندهن حتى أتممن تعليمهن، وأتمت تعليم أبنائها حتى وصلوا إلى نهاية السلم التعليمي.
وبعد أن أنهت مسؤولياتها أخيرًا أمهلها القدر متسعًا من وقت لتحقق حلمها، حين حل برنامج محو الأمية التابع لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية في قريتها، لتجد بذلك الحاجة زبيدة فرصة لبدء تعليمها.
وفي يناير الماضي أتمَّت الحاجة زبيدة تعليمها الأوّلي في محو الأمية، لتختتم بذلك أولى درجاتها التعليمية.
عبد الله السلمي.. طالب في الـ85
في الـ82 من عمره قرّر الشيخ عبد الله السلمي، بدء رحلته التعليمية لاستكمال ما فاته من الدراسة خلال عمره الطويل، وهو بهذا أكبر طالب سعودي في كل مرحلة تعليمية يخوضها.
السلمي الذي بدأ دراسته من الصف الثالث عام 2020 جدَّ في تحصيل العلم، وواظب عليه حتى وصل إلى الصف الأول من المرحلة المتوسطة هذا العام، وأدى الاختبارات النهائية للفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي الحاليّ 1444هـ، بتفوق ونجاح كما هي عادته منذ قرر استكمال تعليمه.
يقول الشيخ المتعلم في رسالة يبعث بها إلى كل راغب في التعليم، ويمنعه كبر سنه: "الدراسة والتعلم غير مقرونين بسن معينة، ولا يوجد عائق يمنع كبيرًا كان أو صغيرًا من مواصلة التعليم، خاصة أن القيادة الرشيدة يسَّرت كل السبل لذلك"
ويخطّط السلمي لاستكمال دراسته حتى نهاية عمره، إذ تلك أمنيته التي حالت الظروف في صغره بينه وبين أن يحققها، ليسعى حين أتيح له لتحقيق حلمه القديم.
ماجستير رغم المرض والسن
لم تكن رحلة التعليم للحاجة آمال إسماعيل متولي بالهينة، ولم يكن استكمالها حتى حصولها على درجة الماجستير وهي في سن الـ80 إلا دليلًا على عزمها القوي على تلقي العلم رغم الموانع.
فحين كانت السيدة آمال لا تزال طفلة تستقبل الحياة، شغفت بالدراسة، ورجت أن تسمح لها أسرتها باستكمال تعليمها، غير أنها قوبلت بالرفض، وفضلت أسرتها أن تجري عادة أقرانها عليها بانتظار الزواج في بيت والدها، وقد كان حين تركت المدرسة وهي في عمر الـ12، لتنشغل بعدها بتدبير أمور أسرتها حتى قررت استكمال تعليمها بعد الزواج.
وحصلت الحاجة آمال على الشهادة الإعدادية في الـ38 من عمرها، ثم أوقف السرطان رحلتها التعليمية حين أصابها مرتين بعد هذه السن، لكن مرضها الخطير لم يكسر عزيمتها، فبعد أن انتصرت عليه واصلت تعليمها في المرحلة الثانوية وهي في سن الـ68 ومن بعدها التحقت بكلية الآداب في جامعة المنصورة، لتصل إلى نهاية السلم التعليمي الأساسي بعد معاناة.
كان حلم السيدة آمال أكبر من وقوفها عند نهاية التعليم الجامعي، فقررت خوض رحلة جديدة في التعليم فوق الجامعي، حتى ناقشت رسالة الماجستير مطلع هذا العام، وحصلت على الدرجة العلمية بامتياز بعد أن أتمَّت الـ80.