ككل حضارة نعتقد أننا الأفضل والأحسن. وككل حضارة تنسى أو تتناسى إنجازات الآخرين، فلا تذكرها، ومنها الكشف الأثري. فعندما يُكتشف شيء في العالم من إنجازات حضرية قديمة جدًّا على سبيل المثال لا نكاد نذكره. وليس ذلك مقصورًا على وسائل الإعلام، بل بأغلب وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا. فهي ظاهرة اجتماعية، الكل يشارك بها، وباعتقادي لها أسبابها. فعندما نكرِّس وقتنا لذِكر عظمة أمتنا العربية وإنجازاتها، وربما تُنسب بعض المكتشفات لها، نعتقد أننا كل ذاك العالم، غير مدركين أن العلم هو شيء متناقل، وما تجارب ونتاج الأمم ممن سبقتنا إلا إن كانت هي الأداة التي أوصلتنا إلى الاكتشاف والريادة الحضرية. إلا إن تعدّتنا هذه الريادة وإلى الحضارة الأوروبية في زمننا. وما نذكره على الدوام مجرد أطلال، وهو كما مسمى تلك المجلة الأثرية.
فنتاج حضارتنا العربية الحالي بشكل عام قليل جدًّا، وغير مؤثر على المستوى العالمي. وإن نظرنا إلى الجانب الإسلامي لوجدنا أن جميع الأمم الإسلامية غير الناطقة بالعربية تخلت عنا، وإلى حضارات أخرى، فلا تأثير هناك أيضًا.
وفي النهاية، نجد أنفسنا وحدنا في كوكبٍ خاصٍّ بنا، نحاكي أنفسنا في محاولة لإقناع الذات، رغم أنه ليس لنا أي تأثير على الأمم والحضارات من اكتشافات أو من إنجازات ليؤخذ به. وما زلنا نمجّد ذكريات الماضي، ونتحدث عنه من نتاج أممي، ولأنه الخيط الرفيع الموصل بنا إلى زمننا الحالي متخطّين بذلك جميع الأمم ممن أتت بعدنا من ريادة.
إلا أن نشوء الحضارة العربية، والتي أتى الإسلام ليحتضنها هي نتاج ومن أسباب تداخل أغلب الحضارات القديمة بها قبل الإسلام. والحضارة التي قامت وتطورت وانطلقت من الجزيرة العربية هي نتاج وحصيلة كل تلك العلوم والتجارب السابقة. وحتى تلك العربية منها من تجارب كحضارة الأنباط في شمال وغرب الجزيرة أو تلك القادمة من الجنوب من اليمن، والتي ما زلنا نجادل فيها. فهل نحن منها كقحطان؟ أو من تلك من عدنان؟
وللتبسيط.. هل نحن من الأنباط أم من حمير اليمن؟ ورغم قصر الزمن من عمر التاريخ، والتي سادت به، وانطلقت تلك الحضارات وانتهت بمواجهة حضارات أقوى.
وهو أيضًا سبق بين الأمم وسباق معرفي عن أي اكتشاف أو أي شيء لا نعلم عنه في زمننا إلا القليل، سواء كان ذلك في علم التاريخ أو علوم الآثار؛ ليفسّر لنا منابت الحضارات وتداخلات الماضي. ولأن التاريخ له صدى أو كتردد الماء في حالة سكونه إن رميت شيئًا فيه. فحاضرنا هو نتاج كل ما سبق من قبلنا، وهو صداه.
وعلى أية حال أحببت إطلاعكم على شيء مما يُسرد في الأخبار العالمية عن المكتشفات الأثرية، والتي كان لها صدى عالمي.
مجلة السمثونيون الأمريكية هي إحدى المجلات الرائدة في علم الآثار والتاريخ، ولها سبق كبير في المجال. سأتناول بعض عناوينها لهذا الأسبوع؛ لتصل فكرة مدى اهتمام الآخرين بالمكتشفات القديمة وأسرارها. فقد جاء بأول عنوان لها: «حتى بعمر 4500 عام الهرم الأعظم في الجيزة يُخبر عن أسرار جديدة».
ويأتي الخبر بالسرد عن الكشف عن ممر طوله 30 قدمًا، مخفي فوق بوابة الهرم الرئيسة. كما يبدو الخبر عاديًّا للبعض إلا أن من تأثيره زيادة السياحة في مصر، وبالتحديد لزيارة هذا الهرم لرؤية الكشف، وكذلك من ريادة وتميّز لمَن اكتشف وأعلن. فالأهرامات من التراث العالمي، وليست تلك الخاصة بمصر، وصدى أخبارها من مكتشفات أثرية يصل إلى كل العالم.
خبرٌ آخر تناولته المجلة «الآثاريون يكتشفون أعوادًا خشبية، جاء وصفها عند القيصر جوليوس». الخبر يُعيد لنا أمجاد روما وحملتها العسكرية، فقد تحدث القيصر عن استعماله مسننات خشبية صغيرة للدفاع عن ثكناتة العسكرية. وتلك الأداة الدفاعية المكتشفة هي أشبه بما نستخدمه اليوم لحماية الأسوار من اللصوص والمتطفلين.
كما أن الكشف يغيِّر نظريات تاريخ منطقته، وإلى ثكنة عسكرية بدلًا من مصدر لصهر المعادن. الخبر بذاته يبدو عاديًّا إلا أنه يظهر الاستعمال الأول لتلك المسننات، والتي كانت إحدى الوسائل الدفاعية للحماية، والتي ما زلنا نستعملها ليومنا الحاضر، فهي من صدى التاريخ.