أكدت كاتبات ومتخصصات في أدب الطفل، تراجع علاقة الطفل بالكتاب في الآونة الأخيرة، بسبب سيطرة الثقافة الرقمية بكل ما تحويه من إيجابيات وسلبيات، على فكر الأطفال واليافعين وسلوكهم، وهو ما يشكل تحديًا أمام الكتاب ودور النشر، لإعادة الأطفال إلى الكتاب الورقي من جديد.
وأوضحن خلال مؤتمر "أدب الطفل" ضمن فعاليات معرض الشرقية للكتاب، أوجه الاختلاف بين أدب الطفل وأدب اليافعين، والمقارنة بينهما في الكم والاحتياج، ومدى تطور نوعية المحتوى المتعلق بأدب الطفل، من ناحية الإخراج والنشر وملاءمته لسلوك الجيل الجديد، وأشرن إلى أهمية تسخير التقنية الحديثة في تطوير مخرجات أدب الطفل وبرامجه.
ولادة معرفية
بينت الكاتبة الإماراتية نادية النجار أن الثقافة تعني الولادة الثانية للطفل؛ إذ إن الإنسان يولد مرتين، الأولى: «بيولوجية» يكتسب خصاله فيها من الأبوين، و«ثقافية» يكتسب فيها ثقافته من الأهل والمدرسة والكتب وقصص الجدات، أما اليوم فالطفل يتعرض إلى مصدر ثقافي إضافي، إذ تشكل التكنولوجيا رافدًا كبيرًا من مصادر الثقافة، ودخلت التكنولوجيا والثورة الرقمية نواحي الحياة كافة، ومنها الناحية الثقافية.
وقالت: الملاحظ اليوم أن نسبة الثقافة المكتوبة قد تضاءلت بشكل لافت للانتباه، فثقافة المطالعة كقيمة معرفية وإنسانية تشهد تراجعًا مؤلمًا، بين الكبار والصغار بشكل خاص، كما تعاني المجتمعات عامة قلةَ الوعي والتثقيف بأهمية القراءة.
وأضافت: علاقة الطفل بالكتاب أصبحت مخيبة للآمال ومحبطة، والسبب في ذلك دون أدنى شك، سيطرة الثقافة الرقمية بكل ما تحويه من إيجابيات وسلبيات على فكر الأطفال واليافعين وسلوكهم، وكل ما سبق زاد من صعوبة مهمة الكُتاب، ووضعهم أمام تحديات كبيرة، إذ كيف يمكنهم أن يلفتوا انتباه طفل اليوم الذي لا يفارق الشاشة إلى كتاب ورقي؟
وأكدت النجار أهمية أن يغير الكاتب من لغته لتكون أقرب للغة الطفل اليومية، ويختار جملًا تناسب قدراتهم، ويبحث عن قصص أكثر تشويقًا ومعاصرة تحفزه على القراءة، وتجذبه من بساط الأجهزة اللوحية.
واقترحت التوسع في مشاريع تحويل الكتب الورقية إلى رقمية، قائلة: يجب أن تتبنى دور النشر في العالم العربي تلك الفكرة، فنحن بحاجة إلى طفل قارئ، سواء من كتاب ورقي أو إلكتروني.
إبداع استكشافي
بينت أستاذة النقد الأدبي المساعد في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن د. نوال المنيف، أن المرحلة الانتقالية التالية لمرحلة الطفولة والممتدة من 12 - 14 عامًا، تتطلب التركيز على تلبية الاحتياجات المعرفية، ومن ضمنها الخيال الذي ينقل الطفل إلى عالم آخر، إذ يُفضل في هذه المرحلة الخيال العلمي والتاريخي الممزوج بنكهة الاستكشاف والابتكار والإبداع واستشراف المستقبل، وينفر من الخيال البسيط والعجائبي، والمستند إلى السحر والحلول المفاجئة، ومن عوامل نجاح الخيال أن يكون البطل يافعًا ويتسم بالذكاء والشجاعة، وتكون الأحداث متلاحقة.
ونوهت بالحراك الأدبي لهذه الفئة، المتمثل بالمسابقات والمبادرات والجوائز والإسهامات الثقافية المتنوعة التي برزت في المملكة العربية السعودية في السنوات العشر الأخيرة.
المدارس الأجنبية والعائق اللغوي
قالت الكاتبة والروائية هبة مندني في جلسة حوارية بعنوان «ما يواجه كتاب أدب الأطفال.. هل الأقلام على ما يرام؟»، إن عزوف الأطفال عن القراءة يرجع إلى عدة عوامل، من بينها تناقص دور الأسرة والمدرسة، في تشجيع الأطفال على الكتابة.
وأضافت: بالنسبة للمدرسة يتجه العديد من الأسر لتعليم الأبناء في مدارس أجنبية، وجود العائق اللغوي عند الأطفال، يشكل تحديًا كبيرًا لكاتب الأطفال، وهذا ما لمسته شخصيًّا من خلال زياراتي لمدارس الأطفال الأجنبية.
وأكدت أن تحفيز الأطفال على القراء من قبل الأسرة أو المدرسة يؤثر بشكل إيجابي على كاتب أدب الطفل، لتقديم الأفضل والأمثل، ويدفعه إلى الاستمرارية، فلا وجود لكاتب دون قارئ لما يكتبه.
وأضافت أن الكتابة لغالبية الكتَّاب العرب هواية وليست مهنة في حد ذاتها، وهذا سبب تأخر الإنتاج الأدبي وعدم استمراريته، خاصة إذا كانت وظيفة الكاتب تحتاج إلى تركيز وجهد خلال ساعات الدوام وخارجه، ما يبعده أحيانًا عن مسايرة التطور في هذا المجال، وقد يؤدي ذلك إلى شح التدفق الكتابي لديه، وهذا ما لمسته شخصيًّا من خلال وظيفتي، خاصة في مرحلة الجائحة.
الكاتب والناشر
أشارت مندني إلى إشكالية «الشفافية» في علاقة الكاتب مع الناشر، فالأول يشكو بنود العقود أو ما يتعلق بالتمويل، والآخر يشكو دائمًا ارتفاع تكلفة الطباعة والورق والشحن.
وأضافت: رغم عدم إقبال الأطفال على شراء الكتب، ونقص الدعم الكافي من المؤسسات المعنية بثقافة الطفل، إضافة إلى تحديات أخرى، فإن شغف الكتابة والتأليف وإحساس الكاتب الحقيقي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في نشر الثقافة والوعي والحفاظ على الموروث اللغوي والاجتماعي، تجعل «قلمه على ما يرام دائمًا».
وأشارت إلى أن الكاتب والمؤسسات الثقافية يواجهان دائمًا صعاب كبيرة وعرائق، والجيل الجديد بحاجة إلى منتج ملائم لسلوكه، مبينة أن العزوف سببه قلة الوعي بأهمية الاطلاع والتثقيف.