كان لثورة الابتعاث إلى الخارج في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات الميلادية من القرن الماضي دور إيجابي كبير في تطوير الاقتصاد السعودي، وتكوين شركات عملاقة مثل سابك وغيرها من الشركات العائلية والمساهمة.
للابتعاث إلى خارج المملكة فوائد عظيمة أهمّها تنوّع مصادر العلم وطرق التعليم في جامعات متقدمة ذات عراقة وسمعة قوية ورائدة في مجالات عديدة، وأخذ العلم من مصادره وتحمّل المسؤولية والاعتماد على النفس، وذلك عندما يسافر المبتعث أو تسافر المبتعثة إلى دول بعيدًا عن الوطن والأهل والمجتمع.
تحفز الدراسة في الخارج أو البعثة إلى دولة اجنبية ذات ثقافة فردية غير عربية وغير إسلامية على تنمية ذات الطالب والطالبة المتقدم والمتقدمة للابتعاث، كما تعمل على تطوير ذات المبتعثين، وذلك لأن تجربة الغربة ليست بالأمر السهل خاصةً عندما يكون الأمر متعلقًا بالدراسة، حيث يصبح ضرورة على المبتعثين الاعتماد على أنفسهم؛ وذلك من أجل تلبية احتياجاتهم الشخصية والدراسية وتدبير أمورهم بأنفسهم، وهذا بدوره يخلق أجيالًا من المواطنين الذين يعتمدون على ذواتهم في تدبير أمورهم. هذا من المؤكد مؤشر واضح يقود إلى الاكتفاء الذاتي الذي سيحظى به المجتمع فيما بعد.
لمستُ من المبتعثين السعوديين في الولايات المتحدة على وجه الخصوص الرغبة في تحمّل المسؤولية والتعاون والتكاتف والجدية والتكيف مع الظروف المختلفة والبيئة المحيطة بهم.
إن تحمُّل المسؤولية من أبجديات تكوين الشخصية الجادة في سوق العمل السعودية، بل تُعدّ سمة شخصية للقياديين منهم في الشركات المساهمة والخاصة والمؤسسات الحكومية.
وإذا كانت الشركات السعودية تتذمر من عدم جدية الباحثين عن العمل من السعوديين، فإن هذه الحُجَّة ليست قوية بتخرج المبتعثين من الجنسين وانخراطهم في سوق العمل الذي تهيمن عليه فئات من العمالة الوافدة.
إن تلقي التعليم في دول وجامعات متقدمة تعود على المبتعثين بالمردود الاقتصادي الجيد على الوطن والمواطن، لذلك كانت البعثات المتتالية إلى دول متميزة في التخصصات والبرامج العلمية من أنجح برامج الابتعاث التي تبنّتها المملكة في الخمسة العقود الماضية. ولقد كان اختيار المبتعثين في تخصصات حسب حاجة سوق العمل السعودية خطوة ذات أهمية، لذلك نأمل أن يحقق النتائج المرجوّة منه.
يساهم برنامج الابتعاث إلى الخارج في زيادة نسبة المتعلمين في المجتمع، وذلك لأن برنامج الابتعاث قائم على إرسال الطلاب والطالبات الأكثر تميّزًا إلى الجامعات المتميزة في دول متقدمة وإلى الدول التي تحتوي على أنظمة أشمل في نشر العلوم النظرية والتطبيقية المتعلقة بمجال المبتعثين، وكذلك تطبيق هذه العلوم على أرض الواقع. لا ريب في أن المبتعث المُحِب لوطنه أول ما ينتفع بعلمه وأبحاثه هم أبناء مجتمعه. ويعتبر الطلاب من الجنسين سفراء بلادهم، حيث يعكسون صورتها أمام شعوب الأمم الأخرى، حيث ينقلون ثقافتهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم من خلال تعاملهم.
ومن الضروري أن تكون بيئة التعليم في المملكة محفزة على التعلم وتحمّل المسؤولية وترسيخ قِيَم العمل الصحيحة، كما هو الحال في البيئة التعليمية في بعض الدول المتقدمة والنامية. بيئة التعلم في مجملها في المملكة غير مطورة للذات والاعتماد على النفس، حيث يساهم في قصورها الوالدان والنظام التعليمي والقطاع الخاص والمجتمع.
وقد نلقي اللوم أكثر على النظام التعليمي السائد في المملكة، والذي لا يهتم بجوانب الإبداع والتحفيز. ومن المؤكد أن بيئة التعليم في معظم جامعات الدول الصناعية المتقدمة والنامية تشجع الطلاب على التعلم وتحمّل المسؤولية والبحث العلمي والتحليل، بينما لا نزال نعتمد على الحفظ والتلقين.
الخلاصة: لقد تقدّمت المجتمعات ذات الثقافة الفردية على غيرها من المجتمعات التكافلية التي تنظر للفردية بأنها أنانية. هذه النظرة تتغيّر لدى المبتعثين مع الوقت إلى الفكر الفردي الإبداعي الذي يحرّر الفرد من فكر التكافلية المذمومة إلى التنافسية الفردية المحفزة التي تنهض بالدول وشعوبها.
@dr_abdulwahhab