* السفر بهدف الملاحظات والرصد أشبه برحلة في كتاب. قد تخرج منه بفائدة. قد تشعر بأنك ضيّعت وقتك في قراءته. هذا الشعور إذا عمّ وانتشر في النفس، فهذا يعني أن التجربة مع هذا الكتاب فشلت. هذه مشكلة لها أسباب. أقلها تغييب فائدة التجربة، رغم كونها أداة قنص العبرة والدرس. هذا النمط من الرحلات الفكرية والتأملية يُثمر أكثر مع أصحاب التجارب التراكمية. تجعلهم يرون أشياء لا يراها آخرون. جميعنا مر في تجارب عابرة دون الخروج منها بأي فائدة. هنا يكون تضييع الوقت وإهداره. وهذه ثمرة العبور من تجربة إلى أخرى دون جني أي فائدة.
* تجارب السفر عبر الطرق البرية في المملكة أصبحت أحد طموحاتي بعد التقاعد، وكانت كذلك أيام شبابي أثناء سفري وتنقلاتي. هذا الشغف أعطاني مساحة جديدة من التفكير في طموحات جديدة، لتفعيل طاقة التحدي. وقد جعلت لها كتابا بعنوان: (إرادة التحدي) سيرة روائية. كل فرد بحاجة إلى طاقة التحدي ليواصل منهج استثمار حياته، بطريقة تجعله شابًّا بشكل مستدام. فالشباب هم الدماء الحارة في حياة الأمم. هكذا أسعى لأن أكون شابًا رغم ظهور علامات قهر سنين الزمن، وتأثيراته على مكونات جسدي داخليًّا وخارجيًّا.
* عملت في أسفاري الأخيرة أن أسلك طريقًا جديدًا في كل سفرة. وذلك للمزيد من القراءات لمشاهد الطريق وبيئته. كل طريق نسلكه أشبه بكتاب جديد. أيضًا السفر أكثر من مرة عبر طريق واحد أشبه بقراءة الكتاب مرات ومرات. في كل مرة تشاهد شيئًا جديدًا. تلمح معالم جديدة لم ترصدها في المرة السابقة. هذا يجعلنا في وضع وكأننا نقرأ كتابا جديدا. الطريق هذا هو ذلك الكتاب الذي تعيد قراءته بشكل دائم. البعض لا يجيد القراءة. البعض يتصفح الكتاب بحثًا عن صورة أو مشهد يثير فضوله. وقد يتصفح ورقاته ويتركه بجانبه دون أدنى فائدة.
* أي كتاب لابد أن يحمل فائدة. إن لم تجدها فالعيب فيك أنت كقارئ وليس في الكتاب. هكذا أعيش هذه الحالة مع أسفاري عبر الطرق. أشهر طريق سلكته طوال حياتي كان الطريق بين الدمام والأحساء. وقد كتبتُ عن هذا الكثير. ثم وضعت هذه التجربة في كتابي بعنوان: (الناس أماكن). ثم يأتي الطريق من الدمام لمنطقة الباحة، حيث رحلة الصيف كل عام. والآن وبعد التقاعد أصبحت رحلة الشتاء والصيف.
* كنت وما زلت أسلك وبشكل متكرر الطريق من الدمام إلى الرياض العاصمة، ثم أسلك الرياض الطائف، ثم طريق الطائف الباحة. مؤخرًا قررت أن أبحث عن طرق بديلة بين الباحة والرياض. وجدت الطريق بين الدمام والرياض محورًا ثابتًا لا يمكن تغييره. لكن من الرياض إلى الباحة وجدت الكثير من الطرق التي يمكن أن تسلكها لتصل بسلام. بل تجد طرقًا تصل من الرياض إلى جميع المناطق. هناك طرق حديثة وعديدة تنقلك من العاصمة إلى كل شبر في المملكة شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا. وعليك أن تختار وأنت مطمئن لجودة الطريق وسلامتها وأمنها.
* في رحلاتي هذه وجدت أن اللوحات الإرشادية الزرقاء بجانب الطريق، والتي تحمل أسماء الأماكن وأبعادها، تشكّل محورًا مهمًّا أثناء الرحلة. فهي تحمل معلومات مختصرة، توحي بعظمة بلادنا وكبر مساحتها. في هذا الشأن وجدت أن هناك شيئًا واحدًا مفقودًا في جميع هذه اللوحات الزرقاء التي تسجل أسماء المدن بين المناطق وأبعادها، وهو (اسم) العاصمة (الرياض) و(رقم المسافة). لماذا غابت؟ أدعو لوضع اسم العاصمة (الرياض) مع (المسافة) بالكيلو متر على جميع اللوحات الزرقاء في جميع الطرق الرئيسة لمناطق المملكة. هذا يذكّر دومًا بإنجاز الموحّد «رحمه الله». وأيضًا تمجيدًا لعاصمة مجدنا الأبية الرياض، قلعة الطموحات والمجد المستدامة.