يأتي كل رمضان، ونسمع تلك الكلمة: رصد الأهلة، وكلمة هلال رمضان، ولا نسمع إلا أن شاهدوه بسدير، وكأن الأرض خلت من الرائين، وتلك هي غيرة، ونعوذ من شر حاسد إذا حسد. والمسامحة يا أهل سدير، فأنا شرقاوي رغم أصولي النجدية.
وتتفاوت رؤية الهلال من بلد وحسب علمائها، فمنهم مَن يقول أن يثبت الشهر بالعين المجردة، ومنهم بالناظور المقرِّب، ومنهم بالحساب، إلا أن الأقمار الصناعية والمراصد الكبيرة تظل أدقها رصدًا للهلال. ولا يعتمد أغلب فقهاء العلوم العقلية وتطورها، ويقفون على السّنة، والتي منها نبع ومنهج الإسلام، ولكلٍّ موقفه ورأيه.
كما يختلف أهل السُّنة أيضًا بمطالع الهلال إن ثبتت الرؤية، وهم مدرسة فقهية بذاتها. فتذهب المالكية بالرأي أنه إذا رُئي الهلال عمَّ الصوم سائر البلاد، قريبًا أو بعيدًا ولا يُراعى في ذلك مسافة قصر، ولا اتفاق المطالع ولا عدمها، فيجب الصوم إن نُقل ثبوته بشهادة عدلَين أو بجماعة مستفيضة، أي منتشرة. ويذهب المذهب الشافعي أنه إذا رُئي الهلال ببلدٍ لزم حكمه البلد القريب لا البعيد، بحسب اختلاف المطالع.
أما المذهب الحنبلي فيجتهد بالرأي أن إذا ثبتت رؤية الهلال بمكان، قريبًا كان أو بعيدًا، لزم الناس كلهم الصوم، وحكم مَن لم يره حكم من رآه.
وفي بلادنا تطلب المحكمة العليا من عموم المسلمين في جميع أنحاء المملكة تحرّي رؤية هلال رمضان في يوم 29 من شعبان كل عام؛ للكشف عن موعد أول أيام شهر رمضان المبارك ممن يراه بالعين المجردة، أو بواسطة المناظير. كما يُطلب من الرائي إبلاغ أقرب محكمة إليه، وتسجيل شهادته إليها، أو الاتصال بأقرب مركز؛ لمساعدته في الوصول إلى أقرب محكمة. وتأمل المحكمة العليا بإعلانها كل عام أن مَن لديهم القدرة على الترائي الاهتمام بهذا الأمر، والانضمام إلى اللجان المشكَّلة في المناطق لهذا الغرض، واحتساب الأجر والثواب بالمشاركة؛ لما فيه من التعاون على البر والتقوى، والنفع لعموم المسلمين. فإن رُؤي الهلال كان اليوم الذي يليه أول أيام رمضان، أو إذا لم يرَه أحد، كان المتمّم يومًا لإكمال شهر شعبان.
وحسب الأقمار الصناعية، وبعيدًا عن آراء الفقهاء، تذكر المراكز العلمية للأقمار الصناعية أن القمر الجديد سيدخل في تمام الساعة 10:26 مساء يوم الثلاثاء 21 من شهر مارس أو حسب ما ذُكر بساعة التوقيت العالمية 17:26؛ مما يعني صعوبة رؤية الهلال بالعين المجردة بذاك اليوم بعد المغرب مباشرة.
وأذهب بالتحليل أنه حتمًا سيُرى في اليوم التالي؛ مما يعني أنه قد تكون بداية رمضان يوم الخميس القادم آخذًا بالاعتبار أن طرق الحساب بكل الأحوال هي مسائل عقلية، وليست من الأمور الفقهية.
كما تظهر المعاهد للحسابات الفلكية، بالإضافة إلى أن موعد شهر رمضان 1444هـ سيوافق يوم الخميس 23 مارس 2023 لاحتمال أن يولد هلال شهر رمضان بوقتٍ متأخرٍ يوم الثلاثاء 29 شعبان عن وقت تحري الهلال، ويؤكد حساب مراكز الأقمار الصناعية.
وعلى أية حال، جاء شهر رمضان الأربعاء أو الخميس فهو من الشهور المباركة، والتي تستوجب منا العطاء وإكثار العبادة. وما علينا إلا التحضير لقدوم هذا الشهر الفضيل متمنّين للأهل والأقارب والأصحاب، ولعموم المسلمين كل عام وهم بخير، وأن يكونوا من عُوَّاده.